أحمد أمين المدني والقصائد الضائعة جمع وتقديم: أحمد محمد عبيد

04:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
بقلم: عبدالغفار حسين

لو لم يَقُم الأستاذ أحمد محمد عبيد، بدوره المُجد في جعل الساحة الثقافية في الإمارات تشهد توثيقاً وتسجيلاً لكثير من تراثنا الثقافي، لَلَحِقَ بهذا التراث ضياعٌ وإهمالٌ، ولكان من الصعب على المُتتبع أن يقف على أمور كاد الإهمال أن يضعها في طَيّ النِسيان. ومن بين الجهود الكثيرة التي أخذ هذا الباحث، أحمد محمد عبيد، على عاتقه أداءها جمعه لأشعار الدكتور أحمد أمين المدني، التي لم تتضمن في دواوينه الثلاثة: «حصاد السنين» الذي صدر عام 1968، و«أشرعة وأمواج» عام 1973، و«عاشق لأنفاس الرياحين» عام 1990. ويبين لنا الباحث أحمد محمد عبيد في مقدمة هذا الكتاب «قصائد ضائعة.. لأحمد أمين المدني»، الذي نقرأه هنا، مدى ما عاناه من مشقة في تتبع القصائد غير المنشورة في دواوين المدني. ويُلقي لنا الأستاذ أحمد محمد عبيد أضواء كاشفة على مراحل الحياة التي عاشها الشاعر أحمد المدني، بدءاً بدُبي التي وُلِدَ فيها حوالي العام 1931، ثم ذهابه إلى العراق للدراسة، ومكوثه هناك لسنوات عديدة.

وقد عثَرَ الباحث على حوالي ستين قصيدة من تلك التي ضمنها هذا الكتاب من بين قصائد كثيرة أخرى استطاع الأستاذ أحمد محمد عبيد توزيعها على كُتُب أخرى كتبها عن أحمد أمين شعراً ونثراً. وهنا أود أن أُشير باختصار إلى قصيدة مرثية (1) قالها أحمد أمين في رثاء أحد الأشخاص، ولم يذكُرهُ بالاسم. وفي هذه القصيدة سكب أحمد أمين من العواطف الجياشة ما جعلها من أحسن قصائده، وضمنها حِكْميات تدل على عمق في التفكير والتعبير.

وعنوان هذه القصيدة «مرثية فقيد المروءة»:

كلُّ شيء مصيرهُ للنفادِ

حاضراً كان في الزمان وبادِ

لم نجئْ للحياةِ يوماً لنبقى

بل لنمضي من بعدهَا لمعَادِ

إنّما هذهِ الحياةُ خيالٌ

زائلٌ ظلُّه وليلُ سهادِ

وَهْي حقلٌ نَجْني غداً ما زرعنا

في مداها من شقوةٍ أو رشادِ

لم يخلَّدْ من قبلنا في الليالي

أحَدٌ أو غدا بغير افتقادِ

أدركَ الفكرُ كلَّ شيء وعاهُ

غيرَ كَوْنٍ مصيرهُ للفسادِ

ظلَّ لُغزاً أعيا العقولَ جميعاً

من عميقِ الآزالِ والآبادِ

يعبرُ الناسُ بينَ ظِلَّين منها

في صراع ورغَبةٍ في ازديادِ

ثم يمضونَ مثلما قد أتوها

من ظلامٍ إِلى ظلامِ المِهادِ

بعضهمُ كالزهور يفنَى وَيبقى

منه عطرٌ وبعضهم كالقتادِ

ذاكَ ما عاشَ فهوَ طِيْبٌ وهذا

هُوَ جُرْحٌ ولعنةٌ للعبادِ

ليسَ يبقى للمرءِ إِلا سجايا

بَرَّهُ بعدَه (2) وبِيضُ أيادي

ما سوى ذَيْنَ فهو محضُ هباء

بعد موتِ الفتى وذرُّ رمادِ

إنهُ الموتُ قد تساوى لديه

من قضى في هَنا أو نُكادِ

ذلكَ الحقُ لا الذي رَدَّدُوهُ

في قديمٍ من الكلامِ مُعادِ

يا بناتَ الغصونِ شارِكْنَ روحي

في أساها وَعَزّيَنَّ فؤاديَ

وَتَرَدَّيْنَ من قميصِ الدَياجي

ما أَرَدْتُنَّ من ثيابِ حِدادِ

وأعِدْنَ الإِنشادَ لحنَ عزاء

رُبَّ ثكْلٍ ينثالُ من لحنِ شادِ

قد فقدنا منْ عزَّ يوماً علينا

أن نرى مثله على الاَعْوادِ

قد بكتْهُ أفعالُه وَهْيَ كُثْرٌ

مشرقاتٌ لكل بادٍ وغادِ

إنّما يَكْرُمُ الفتى في ذويه

بكرامِ الأفعالِ لا بالنَّجادِ

وفي ديوان «قصائد ضائعة» قصيدة الدكتور أحمد أمين، رحمه الله، «معركة الطف»(3) التي ألقاها في مناسبة من مناسبات يوم عاشوراء، في مأتم البحارنة في بَرّ دُبي، وفي هذه القصيدة أبدع أحمد أمين، ووضع نفسه في مكانة علياء بين الشعراء، الذين رثوا الإمام الحسين، واستشهاده في كربلاء بالعراق، يوم العاشر من مُحَرَّم عام 61 هجرية.

(1) القصيدة في الكتاب ص 65،64، ونُشرت في مجلة «أخبار دبي» العدد 25- 1972.

(2) - في الأصل: بعد.

(3) مقال: «مع أحمد أمين في قصيدته معركة الطف» بقلم الكاتب في مجلة «المجمع» العدد11 - نوفمبر 1974.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"