«لا نفاق ولا مداهنة»

مكارم الأخلاق
03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.رشاد محمد سالم

إن المسلم الصادق بعيد كل البعد عن النفاق والمداهنة والمجاملة المحرمة والمديح الكاذب، فالنفاق حرام وغير لائق بالشخصية المسلمة الصادقة.

ولقد أقبل نفر من بني عامر يمدحون النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم: أنت سيدنا، فقال: «السيد الله»، وقالوا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان. إني لا أريد أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله تعالى، أنا محمد بن عبدالله عبده ورسوله.

لقد قطع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الطريق على المادحين أن يسترسلوا في كيل المديح للناس، وفيهم من لا يستحق المديح، حين نهى مادحيه عن وصفه بالسيادة والفضل والطول، وهو سيد المرسلين وأعظم المسلمين وأفضلهم لا ريب، لأنه كان يعلم أن باب المديح إذا فتح على مصراعيه أدى إلى مزالق خطرة من النفاق لا تستسيغها روح الإسلام الصافية النقية البريئة، ولا يقبلها الحق الذي قام عليه الدين. وكان ينهى الصحابة عن مدح الإنسان في وجهه، لئلا يستجر المادح إلى النفاق ولكيلا تأخذ الممدوح نشوة الاختيال والاستعلاء والإعجاب بالنفس.

أخرج الشيخان عن أبي بكر، رضي الله عنه، قال:

أثنى رجل على رجل عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: «ويحك، قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك، مراراً ثم قال: «إذا كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً، أحسبه، إن كان يعلم كذا، وكذا». البخاري ومسلم.

المديح، إذا كان لابد منه، فينبغي أن يكون صادقاً منطبقاً على واقع الممدوح، وينبغي أن يكون معتدلاً متحفظاًَ لا غلو فيه ولا شطط ولا مغالاة.

وبذلك وحده ينقى المجتمع من أوباء النفاق والكذب والمخاتلة والتزلف والرياء. وأخرج البخاري في الأدب الفرد عن رجاء عن محجن الأسلمي، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومحجنا في المسجد، فرأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رجلاً يصلي ويسجد ويركع، فقال الرسول، صلى الله عليه وسلم، من هذا؟ فأخذ محجن يطريه، ويقول: يا رسول الله هذا فلان وهذا فلان، فقال:»أمسك، لا تسمعه فتهلكه». البخاري.

لقد سمى الرسول الكريم إسماع المديح إهلاكاً، لما له من آثار نفسية عميقة في النفس البشرية المجبولة على حب سماعه، فإذا الممدوح يستعلي على الناس، ويشمخ بأنفه، ويصعر خده لهم، ومن أجل ذلك أمر، رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابته أن يحثوا التراب في وجه المداحين، لكيلا يكثر سوادهم في المجتمع الإسلامي، وبكثرتهم يفشوا النفاق ويكثر التزلف ويعم البلاء.

وقد كان الصحابة، رضوان الله عليهم، يتحرجون من المديح مع أنهم أحق به وأهله اتقاء مزالقه وخشية هلكته، قال رجل لابن عمر، رضي الله عنهما: يا خير الناس، أو يا ابن خير الناس، فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس ولا ابن خير الناس، لكني عبد من عبيد الله، أرجو الله تعالى، وأضاف: والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه.

لقد فقه الصحابة الكرام هذا الملحظ الدقيق الذي ما فتئ الرسول الكريم يرشد إليه في الأعمال والأقوال و سلامتها من النفاق، وتوضح لديهم الفرق الكبير بين ما هو حق خالص لوجه الله، وما هو نفاق ومداهنة.

وعن ابن عمر، رضي الله عنهما، أن ناساً قالوا له:

«إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم. قال ابن عمر: كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم» البخاري.

اللهم قنا شر النفاق والمداهنة، واعصمنا من التردي في هذا المنزلق الخطر.

* مدير الجامعة القاسمية بالشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"