وداوها بالفلسفة!!

04:41 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

ماذا لو لم يكن في هذه الحياة شيء من حكمة وتأمل وتفلسف، وهي المفاهيم الأساسية التي بدأت تتلاشى في أروقة المعاهد والكليات المتخصصة بتدريس الفلسفة ونظرياتها ومدارسها، ماذا لو لم يكن كل ذلك؟
يقول نيتشه «إن نمط الحياة البسيط هدف بعيد للغاية بالنسبة لي، وسأنتظر حتى يأتي أناس أكثر حكمة مني ليعثروا لنا عليه»، ولو استحضرنا كل ما جادت به أرواح فلاسفة «فن العيش» مثل أفلاطون ويوجين وسينيكا وجلال الدين الرومي وسبينوزا وغيرهم، فسنجد أن مقومات الحياة التي يطمح لها الجميع تتمثل في: البعد عن الألم أو التقليل منه في أحسن الأحوال، والتصالح مع القدر الخاص، وأن يكون الفرد ما يريده هو لا ما يريده الآخرون، ويكون صاحب سلطان على انفعالاته ومشاعره، وأن يجيد صنع المتعة بأقل الأشياء وأبسطها.
إذن، تحقق فينا الفلسفة الحياة من خلال أسلوبها في مساعدتنا لمواجهة العقبات مثل الفشل والإحباط والمرض، من خلال إعادة التفكير في سبب الانفعال، واكتشاف حقيقته كرد فعل احتفظنا به من جدنا «الإنسان البدائي» الذي كان يرى الألم لعنة أو سحراً أو روحاً شريرة.
والأمر لا يخلو من منطقية إذ إن إيجادنا في الحياة لا يعني بالضرورة قدرتنا عليها، ومن هنا كان من الأهمية بمكان الانطلاق من قلب الأفكار والثورات إلى سطح أصدق التعابير عن النفس البشرية من خلال التفكير على اعتباره أداة تحرير للإنسان من السلبية والغرائز الدنيا.
لا بد أن يعود الفيلسوف إلى تصدر مشهد طب الروح والنفس، فهو وحده القادر على نقل البشر من شقائهم المرضي إلى الاعتيادي، -فلا حياة تخلو من شقاء- عبر إدراكهم بملكيتهم الحقيقية الواقعة في حاضرهم وحده لا الأمس أو الغد، فتلك شؤون ليست موجودة إلا حين نفكر بها، فهي «آراء وليست وقائع»، وتلك هي خلاصة الحكمة التي تدفعنا لأن نعيش الحياة وفق تأويلاتنا وحدها.
إن من أهم أدوار فلاسفة هذا العصر هو الدفاع عن حق الفرد في الحياة البسيطة، التي لا تحتوي إلا على أقل الأوهام، لكن الرحلة -ورغم بساطة المبدأ- صعبة حين أضاعت البشرية معالم الطريق في غمرة أوهامها الكبرى، فمن هو الإنسي القادر على الإقلاع عن إدمانه للطموح والحلم والأمل في محاولة لإشباع شهوة السلطة على كل شيء حوله، ومن هو القادر على ممارسة فن التخلي عما هو غير ضروري، في زمن تحولت فيه كل الأشياء إلى ضروريات؟
تبقى الإجابة رهناً بالإنسان وحده، وقدرته على فتح أبواب الروح ونوافذها لهذا النوع من التداوي بعيداً عن النصوص المحبوكة والنظريات المعقدة، إنه التداوي بحكمة الحياة وحدها، انطلاقاً من أن الفلسفة هي، فن العيش المجرد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"