هونج كونج.. أزمة عابرة أم حرب باردة؟

02:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فايز فرحات *

في إطار سياسة التصعيد الأمريكي ضد الصين، على خلفية الأزمة الراهنة بين البلدين حول طبيعة فيروس «كورونا المستجد»، ومن ثم حجم المسؤولية الصينية عن ظهور الفيروس وانتشاره عالمياً؛ لجأت إدارة ترامب إلى توظيف قضية هونج كونج في إطار هذه الأزمة، خاصة عقب تمرير البرلمان الصيني في 28 مايو (أيار) الماضي قانوناً حول حماية الأمن القومي في المدينة، يعطي الدولة الصينية صلاحيات أمنية جديدة داخل المدينة، اعتبرتها الولايات المتحدة وقوى غربية عديدة (على رأسها بريطانيا)، انتهاكاً للوضع الخاص للمدينة.
في هذا السياق، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 30 مايو (أيار) إلغاء المعاملة التجارية التفضيلية للمدينة، بالإضافة إلى فرض عقوبات على مسؤولين في هونج كونج، وتعليق «دخول صينيين يشكلون خطراً على الأمن».
وقد طُرح في هذا الإطار العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت العلاقات الأمريكية - الصينية قد انتقلت إلى مرحلة الصدام المباشر أو الحرب الباردة، والدور الذي يمكن أن تحتله هونج كونج في هذا الإطار، وانعكاس هذا الصراع على مستقبل المدينة، وهو ما يحاول هذا المقال الإجابة عنه.
تتمتع مدينة هونج كونج بوضع خاص داخل النظام الصيني، يقوم على مبدأ «دولة واحدة ونظامان»، حيث تتمتع المدينة بهامش من الاستقلالية في إدارة شؤونها وسياساتها الداخلية في مواجهة الحكومة الصينية، خاصة على المستوى الاقتصادي، بينما تظل تتمتع الدولة الصينية بحقوق السيادة الكاملة على المدينة، بما يتضمنه ذلك من اضطلاعها باختصاصات الدفاع والتمثيل الخارجي. وقد تأسس هذا الوضع بموجب الاتفاق الموقع بين الصين والمملكة المتحدة في عام 1984، الذي عادت بموجبه المدينة إلى السيادة الصينية في الأول من يوليو (تموز) 1997 بعد أكثر من قرن ونصف من الاحتلال البريطاني.


ورقة أمريكية


هذا الوضع الخاص للمدينة يفتح المجال أمام توظيفها كورقة مهمة في إطار الصراع المحتمل بين الصين والولايات المتحدة خلال الفترة القادمة. وتزداد هذه الاحتمالات في ضوء عاملين آخرين مهمين. الأول، يتعلق بوجود تيار قوي داخل المدينة يسعى إلى تغيير العلاقة مع الدولة الصينية. وقد نجح هذا التيار في تنظيم موجات متتالية من الاحتجاجات خلال السنوات الأخيرة، كان آخرها الموجة الاحتجاجية التي شهدتها المدينة منذ مارس (آذار) 2019 واستمرت حتى نهاية العام، على خلفية مشروع قانون تسليم المطلوبين قضائياً للحكومة الصينية المركزية لمحاكمتهم داخل الصين الأم. ورغم تراجع هذه الاحتجاجات عقب سحب الحكومة الصينية مشروع القانون في سبتمبر (2019)، لكنها لن تكون الأخيرة؛ إذ تتسع مطالب هذا التيار لتتجاوز مسألة إلغاء القانون، لتشمل قضايا أخرى منها تقليل صلاحيات الحكومة الصينية داخل المدينة، واختيار حاكم المدينة عن طريق الانتخاب الحر العام المباشر وليس عن طريق التعيين من جانب الحكومة الصينية.


الدور البريطاني


العامل الثاني يتعلق بالاهتمام الذي ما زالت توليه المملكة المتحدة، والإعلام البريطاني، بقضية هونج كونج، ليس فقط في ضوء الروابط التاريخية بين المملكة والمدينة، لكن استناداً إلى اتفاق 1984. فقد نص الاتفاق على خضوع المدينة لمرحلة انتقالية لمدة خمسين عاماً بدءاً من تاريخ رجوعها إلى السيادة الصينية، أي حتى 30 يونيو (حزيران) 2047. هذا الوضع الانتقالي يخلق التزاماً سياسياً على المملكة المتحدة بمتابعة التزام الصين بالاتفاق الثنائي، باعتبار المملكة المتحدة طرفاً في هذا الاتفاق. هذا الاهتمام البريطاني بمسألة هونج كونج وتطور طبيعة علاقاتها مع الدولة الصينية، يضمن من ناحية، حضور قضية هونج كونج في الإعلام العالمي والسياسات الدولية، وهو ما اتضح خلال موجات الاحتجاج السابقة التي شهدتها المدينة، والتي حظيت بتغطية واسعة من جانب الإعلام البريطاني.


صراع على القمة


لكن مع أهمية دور هذين العاملين في توفير فرصة كبيرة لتوظيف قضية هونج كونج في الصراع الأمريكي - الصيني، فإن عوامل أخرى لا يمكن إغفالها قد تلعب دوراً موازياً في تراجع الأهمية النسبية لهذه القضية كموضوع لهذا الصراع. يتعلق أهم هذه العوامل بطبيعة الصراع الأمريكي - الصيني نفسه، وما إذا كان هذا الصراع أصبح صراعاً هيكلياً من عدمه. هناك تقديرات تذهب إلى أن الأزمة الراهنة في علاقات البلدين هي جزء من صراع بدأ بالفعل على قمة النظام العالمي. في هذه الحالة من المتوقع أن يعمل الطرفان على توظيف جميع الأوراق المتاحة لديهما في إدارة هذا الصراع، ومن ثم فإن قضية هونج كونج ستكون ورقة أمريكية مهمة ضمن أوراق أخرى عديدة سيجري توظيفها في هذا الصراع ضد الصين. لكن هناك وجهة نظر أخرى، ترى أنه لا يمكن نفي دخول العلاقات الأمريكية - الصينية مرحلة حرجة، الأمر الذي سينعكس على النظام العالمي، لكن لا يزال الوقت مبكراً للقول بدخول البلدين مرحلة الصدام المباشر واسع النطاق.
بمعنى آخر، فإن وجهة النظر هذه تميل إلى فهم الأزمة الأمريكية - الصينية الراهنة في ضوء طبيعة اللحظة السياسية الراهنة التي تمر بها الإدارة الأمريكية، والتي تواجه مشكلتين كبيرتين؛ أولاهما، فشل هذه الإدارة في التعامل مع أزمة كورونا، والهجوم الذي تعرضت له على خلفية هذه الأزمة. وثانيتهما، ارتفاع أسهم المنافس الديمقراطي جوزيف بايدن، على نحو عمّق المخاوف لدى ترامب حول فرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر القادم. بمعنى آخر، ووفق وجهة النظر هذه، وفي ضوء هاتين المشكلتين، فقد سعى ترامب إلى لفت الانتباه بعيداً عن تحدياته الداخلية - بما في ذلك التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا- من خلال التركيز على «عدو» خارجي لتحميله المسؤولية عن كل هذه التحديات. ومن ثم، من المتوقع - وفق وجهة النظر هذه - أن تتراجع حدة الأزمة الأمريكية - الصينية بما في ذلك حجم الاهتمام الأمريكي بقضية هونج كونج عقب الانتخابات القادمة، حتى في حالة نجاح ترامب.

* رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"