يجمع كثير من المثقفين العرب على تراجع نقد الشعر، مقارنة مع نقد الرواية، وقد تناولت الصحافة الثقافية هذا الموضوع منذ سنوات، ويبدو أن النشاط النقدي الموجه للشعر ما يزال يعاني إلى اليوم ندرته، مقارنة بذلك الحماس الذي نجده يتنامى لمصلحة الرواية، ومن جهة أخرى، فإن إقبال النقاد على تناول الشعر، قد ترافق منذ سبعينات القرن الفائت إلى اليوم بنوع من الحذر، خاصة فيما له صلة بالتجريب، وفي الوقت الذي كان الناقد العربي يتسامح مع التجريب الروائي، كنا نجده أقل تسامحاً، وحذراً جداً مع التجريب الشعري، فالشعر «ديوان العرب» الذي يجب أن يبقى بعيداً عن كل تجديد، خاصة من حيث الشكل وقوانين الوزن والقافية، وسلطة العمود الشعري، التي لا تقبل أية إزاحات، ولا تقبل بأية مدارس حداثية على الشعر.
ويبدو أن هذه المشكلة المزدوجة، قد ألقت بظلالها على النقاد، فنزحوا إلى الرواية؛ نظراً لسطوعها واحتلالها موقعاً متقدماً في المنابر الثقافية؛ وذلك للأسباب المعروفة من رواجها، وجوائزها الكثيرة، ورغبة الناشرين وحماسهم لطباعة المنجز الروائي وتسويقه على حساب المنجز الشعري.
بعض النقاد عللوا أسباب هذه الظاهرة، بتأكيدهم أنه منذ خمسينات القرن الماضي، كانت هناك حركات شعرية متتالية، تركت بصمتها المغايرة، بينما لم تضف الحركة الروائية إلى جوهرها الكثير على ما كتبه نجيب محفوظ، في تحولاته المختلفة، وهؤلاء يؤكدون أنه من الصعب على ناقد الشعر أن يواكب التحولات الشعرية الكثيرة والعميقة؛ لكون الشعر كان دائماً يبحث عن المغايرة والمخالفة، فيما تميل مدرسة النقد العربي في الأغلب الأعم نحو الثبات، وخشية النقاد من المغامرة؛ نظراً للحساسية اللغوية والنوعية التي يمتاز بها الشعر عن غيره من الفنون الأدبية.
بطبيعة الحال، هناك الكثير من الأسباب، التي تقف وراء عزوف النقاد عن الشعر؛ حيث يميل البعض إلى تأكيد أن نقد الشعر يحتاج إلى التخصص والدراسة، وأن نقد الشعر أصعب من نقد الرواية، ويميل آخرون إلى اعتبار أن التحولات في الشعر أعمق وأكثر تسارعاً، مما يحدث للرواية، كما يؤكد البعض، أزمة استيعاب النقاد لظاهرة الشعر الجديد، وما إلى ذلك من نكوص الحركة النقدية عن الشعر، وميل النقد لمعالجة النثر الروائي والقصصي؛ لسهولته مقارنة مع الشعر.
وأياً كانت الأسباب، يظل الشعر من الفنون الأدبية التي تحتاج إلى مزيد من جرأة النقد، وتحفيز مخيلة الناقد؛ ليقترب أكثر من آليات النقد المعاصر.