من يحمي الدولار من الانهيار؟

02:39 صباحا
قراءة 4 دقائق
ستيفين روتش *


تقترب حقبة «الامتياز الباهظ» للدولار الأمريكي كعملة الاحتياطي النقدي الرئيسية في العالم من نهايتها. وكان وزير المالية الفرنسي فاليري جيسكار ديستان قد استخدم عبارة «الامتياز الباهظ» للدولار في ستينات القرن الماضي، تعبيراً عن شدة الإحباط من السياسات الأمريكية التي تحدت كل مصالح شعوب العالم لدعم المستوى المعيشي المترف لشعبها. لكن بعد ستين عاماً تبدو هذه الميزة قد تلاشت.
ففي ظل الضنك الذي نتج عن تفشي كوفيد-19، تتعرض مستويات معيشة الأمريكيين لضغوط لم يسبق لها مثيل. وفي الوقت نفسه، تساور العالم شكوك جدية حول الوضع الاستثنائي الذي كان متاحاً للأمريكيين على نطاق واسع. وتعكس العملات عادة التوازن بين قوتين هما قوة الأساسيات الاقتصادية المحلية، والتصورات الأجنبية لقوة الدولة أو ضعفها. وبالنسبة للولايات المتحدة يتغير هذا التوازن حالياً مع تصاعد احتمالات انهيار الدولار.
ونشأت بذور هذه المشكلة عن النقص الكبير في عمليات الادخار، وهي المشكلة كانت واضحة قبل الوباء. ففي الربع الأول من عام 2020، انخفض صافي المدخرات الوطنية، والذي يتضمن الادخار المعدل حسب الاستهلاك للأسر والشركات والقطاع الحكومي، إلى 1.4٪ من الدخل القومي. وكانت هذه أقل قراءة منذ أواخر عام 2011، وتعادل خُمس المعدل الوسطي البالغ 7٪ منذ عام 1960 إلى 2005.
وبسبب الافتقار إلى المدخرات الوطنية، والرغبة في الاستثمار والنمو، فقد استفادت الولايات المتحدة بشكل كبير من دور الدولار كعملة احتياطيات أساسية في العالم واعتمدت بشكل كبير على المدخرات الفائضة من الخارج في تربيع الدوائر. ولكن ذلك لم يكن بلا ثمن حيث عانت الولايات المتحدة عجزاً في حسابها الجاري - وهو أوسع مقياس للتجارة لأنه يشمل الاستثمارات - وبشكل سنوي منذ عام 1982.
وتسبب تفشي كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية التي خلفها في تفاقم مشكلة التفاوت بين الادخار والحساب الجاري حتى وصلت إلى نقطة الانهيار. ووفقاً لمكتب الموازنة في الكونجرس، من المرجح أن يرتفع عجز الموازنة الفيدرالية إلى رقم قياسي يبلغ 17.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 قبل أن يتراجع إلى 9.8٪ في عام 2021.
وساهم تناقص مدخرات العمال العاطلين عن العمل في تخفيف ضغوط الادخار الوطني. ومع ذلك، تُظهر البيانات الشهرية لوزارة الخزانة أن توسع العجز الفيدرالي المرتبط بالأزمات قد تجاوز الطفرة التي يتسبب بها الخوف على المدخرات الشخصية، حيث بلغ العجز في إبريل 5.7 ضعف العجز في كامل الربع الأول، أي أعلى بنسبة 50٪ من نسب زيادة المدخرات الشخصية. لشهر إبريل.
وهنا يأتي دور الدولار الذي لا يزال يحتفظ بقوته حتى الآن مستفيداً من الطلب على الملاذات الآمنة النموذجية الذي يشتد في أوقات الأزمات. فقد ارتفع الدولار بنسبة 7% مقابل عدد من عملات شركاء الولايات المتحدة التجاريين، بين يناير وإبريل، وبلغ بالشروط التجارية 33% فوق أدنى مستوى له في يوليو/تموز، حسب بيانات بنك التسوية الدولي.
لكن الانهيار القادم في الادخار يشير إلى اتساع حاد في عجز الحساب الجاري، ومن المرجح أن يتجاوز الرقم القياسي السابق البالغ ناقص6.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي الذي وصل إليه في أواخر عام 2005. وسواء كان الدولار العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم أم لا، فلن يصمد في ظل هذه الظروف. والسؤال الأساسي هو ما الذي سوف يحفز التراجع؟
يكفي تتبع سياسات الرئيس ترامب التي عززت الحمائية التجارية، وهدمت الركائز الهيكلية للعولمة بانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس بشأن المناخ، وتخليها عن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وأخيراً محاربتها منظمة الصحة العالمية، فضلاً عن سوء الإدارة الذي تجلى في مواجهة كوفيد-19، جنبًا إلى جنب مع الاضطرابات الاجتماعية المؤلمة التي لم تشهدها منذ أواخر الستينات، وكلها ظواهر تؤثر بقوة في الدور القيادي للولايات المتحدة الذي يتلاشى تدريجياً.
ومع بدء الأزمة الاقتصادية في الانحسار في وقت لاحق من هذا العام كما هو متوقع، أو في أوائل عام 2021، من المفترض أن يدرك الأمريكيون مدى تراجع دورهم القيادي تمامًا مثل إدراكهم انخفاض الادخارات على المستوى الوطني. وعندها قد يصل الدولار إلى أدنى مستوياته التي تراجع إليها في يوليو 2011، فاقداً 35٪ من قيمته بالشروط التجارية المعدلة حسب التضخم.
وسوف يترتب على انهيار الدولار المرتقب ثلاثة آثار رئيسية: أولها أنه سيكون انهياراً تضخميًا موضع ترحيب لفترة قصيرة يسودها الانكماش. لكن نظراً لاقتران هبوطه بانتعاش اقتصادي ضعيف بعد فترة من الأداء الفائق، فإنه يبعث على القلق من عرقلة الانتعاش والدخول في ركود تضخمي يجمع بين ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، وهو ما يضر بأسواق المال عامة.

وبقدر ما يكون ضعف الدولار أحد أعراض الانفجار في عجز ميزان الحسابات الجارية، سيتزامن مع عجز حاد في الميزان التجاري الأمريكي. ذلك لأن الضغوط الحمائية الناتجة عن العلاقات التجارية مع 102 دولة فضلاً عن المواجهة المباشرة مع الصين، ستؤدي إلى نتائج عكسية وتوجه التجارة نحو دول منتجة أخرى أعلى تكلفة، ما يفرض تكاليف إضافية على المستهلكين الأمريكيين المحاصرين.
وأخيرًا، وفي دفع واشنطن المستمر بتعكير العلاقات المالية مع الصين، فمن الذي سوف يمول العجز الادخاري لدولة فقدت «امتيازها الباهظ»؟ وبأية شروط ؟ وكم ستكون التكاليف؟.

* «بلومبيرج»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"