الأمريكيون طوروا تقنيات مواجهة الوباء.. فهل فات الأوان؟

01:49 صباحا
قراءة 5 دقائق
فايي فلام *

يبدو أن الأمريكيين متشبثون بقناعات خاصة، منها أن عدداً كبيراً من الإصابات نتج عن عبور الأجانب أو المخالطة في محلات «السوبر ماركت».

كانت تقنيات الكشف عن «كوفيد 19» موجودة بالفعل في الولايات المتحدة قبل تفشي الوباء وبتكاليف معقولة. وأثناء إغلاق الاقتصاد، طور العلماء عدداً من أدوات الاختبار السريع السهلة الاستخدام، يمكنها الإبلاغ عن العدوى في المنازل أو المكاتب أو المراكز الطبية.

وابتكر آخرون أجهزة يمكن ارتداؤها لمراقبة التغييرات الطفيفة في ضربات القلب التي تحدث قبل ظهور الأعراض على المصابين.

لكن المخاوف بشأن الخصوصية والتنظيم غير المناسب والموقف السلبي من الخضوع للاختبار، ومخاوف التعقب عن طريق الاتصال، أعاقت عمل تلك التقنيات. ويبدو أن الأمريكيين متشبثون بقناعات خاصة، منها أن عدداً كبيراً من الإصابات نتج عن عبور الأجانب أو المخالطة في محلات «السوبر ماركت»، على الرغم من الأدلة المتزايدة على أن العدوى تأتي بشكل أساسي من الملاصقة، وهو أمر يمكن كشفه، أو من الحشود التي يمكن تجنبها.

يسلط الخلاف الأخير حول بيان لمنظمة الصحة العالمية بوجود حاملين للعدوى «لا تظهر عليهم أعراض»، الضوء على الشحن العاطفي الذي يحرك المناقشات.

فقد أوضحت ماريا فان كيرخوف، مديرة قسم الأمراض السارية في منظمة الصحة العالمية، في البداية أن الحالات التي ينتقل فيها الوباء من الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراضه، تبقى نادرة. ثم عدلت رأيها في وقت لاحق، قائلة، إن مثل هذه الحالات ليست مفهومة جيداً حتى الآن.

وعلى الرغم من أن التعديل صحيح، فإن المنظمة فقدت مصداقية رسائلها التي تبثها حول تطورات الوباء. فالمحرك الأساسي وراء تفشي المرض هو المصابون أنفسهم الذين يمكن أن ينشروا المرض قبل أن يمرضوا فعلياً. ويمكن منع الوفيات من خلال العثور على الأشخاص الذين يعانون الأعراض، وتتبع اتصالاتهم الأخيرة، وعزل أولئك الذين لديهم نتائج اختبارات إيجابية.

فقد ساعدت التطبيقات الاستراتيجية من الاختبارات الروتينية، وإجراءات تتبع الاتصال، العديد من البلدان من أيسلندا إلى ألمانيا إلى كوريا الجنوبية على تجنب ارتفاع عدد الوفيات الذي عانته الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، تخلفت الولايات المتحدة عن الركب على الرغم من رفع طاقات الاختبارات، نظراً لغياب استراتيجية المواجهة.

لذلك، فإن ما نحتاج إليه حالياً هو الترصد وهذه كلمة ثقيلة على مسامع الأمريكيين ولكن في سبيل ضمان الصحة العامة، يجب النظر إليها على أنها تجسس على الفيروس، وليس على الناس.

وبينما يمكن إجراء المسح بزيادة كم الاختبارات الحالية، فمن الأفضل أن ننشر اختبارات أسرع وأرخص وأسهل. وقد طورت لي جيرك، أستاذة التقنية الحيوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إحدى تقنيات الاختبار هذه، وتعرف باسم اختبار الأجسام المضادة الذي يمكنه كشف العدوى باستخدام شريط اختبار مثل اختبار الحمل.

وطور فريق البحث بقيادة جيرك اختبارات مماثلة لتحديد نطاق عدوى حمى «زيكا» وحمى الضنك. وعلى عكس اختبار «كوفيد 19» القياسي، المعروف باسم «بي سي آر»، يمكن قراءة اختبارات المضاد الجيني بدون معدات خاصة أو مواد باهظة الثمن.

أحد الأسباب التي حالت دون نشر البحث على نطاق واسع حتى الآن، هو أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، تركز بشكل كبير على دقة الاختبار، في الوقت الذي يجب أن تركز فيه على كيفية استخدام الاختبارات، وما إذا كانت دقيقة بما يكفي، لتجنب الوقوع في مخاطر الأضرار الجانبية.

كانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية متساهلة للغاية مع اختبارات الأجسام المضادة التي تم تصميمها للكشف عن الإصابات السابقة، والتمسك بها على أنها تحمل الأمل في توفير «شهادات مناعة». وكانت الفائدة محدودة؛ لأن ارتفاع نسبة النتائج الإيجابية خطأ أكثر ضرراً من افتراض أن معظم الناس لديهم مناعة.

يمكن لاختبارات الأجسام المضادة، من ناحية أخرى، أن تنقذ الأرواح من خلال الكشف عن العدوى النشطة. ويقول الخبراء إن هذه الاختبارات تمتاز بمعدل دقة منخفض، فهي تضبط فقط حوالي 80% من حالات العدوى.

ويقول تقرير في مجلة «ساينس»، إن اختبارات الأجسام المضادة، لها إيجابيات حقيقية في ما بين 50 و90% من الحالات. ولكن لا يزال هذا مفيداً إذا تم استخدامه لأخذ عينات عشوائية من الأشخاص لتحديد حالات التفشي المحتملة.

وتقول بيتينا فرايز، رئيسة قسم الأمراض المعدية في جامعة ستوني بروك، إن الاختبار والمراقبة ضروريان للحفاظ على استمرار الاقتصاد دون المخاطرة بطفرات جديدة من الوباء. ولكي يكون هذا المسار ناجحاً، يجب أن يكون الاختبار الروتيني سهلًا نسبياً، كي لا ينتظر الناس ساعات في الطابور يومياً من أجل أخذ مسحة أنفية.

وتقول جيرك، إن اختبارات الأجسام المضادة يمكن توجيهها للعمل من خلال أنواع مختلفة من العينات، بما في ذلك اللعاب أو المسحات الأنفية التي يتم أخذها من نقاط أعمق. وتستغرق النتائج 15 دقيقة على الأكثر، حتى في حال وجود حمولات فيروسية عالية.

الحل العملي الآخر البسيط هو اعتماد الأجهزة القابلة للارتداء التي تشير إلى الإصابة مبكراً. ويعرف العلماء أن معدل ضربات القلب يتغير عندما نصاب بالإنفلونزا. ويمكن رصد هذا التغيير عبر جهاز يمكن ارتداؤه قبل أيام من ظهور الأعراض.

وقد صب الباحثون الذين يطورون هذه التقنيات في معهد التقنية في جامعة ستانفورد، ومعهد سكريبس للأبحاث، تركيزهم على «كوفيد 19»، ويقولون إن هذه الأجهزة يمكن أن تلتقط العدوى قبل أيام من ظهور الأعراض على الأشخاص، وحتى في الأشخاص الذين لا يرغبون في الإبلاغ عن أي أعراض.

يقول أحد هؤلاء الباحثين، وهو مايكل سنايدر، الذي يعمل على تطوير خوارزمية للكشف عن التغيرات في معدل ضربات القلب والعلامات الفسيولوجية الأخرى المرتبطة ب«كوفيد 19»، إنه قبل الوباء، كشف الجهاز الذي طوره أربع إصابات، حالة واحدة من مرض لايم، تم تأكيدها من خلال اختبار، واثنتين من حالات عدوى كورونا، وحالة واحدة بدون أعراض.

وقال إنه أمكن تأكيدها لأن دم المصاب أظهر مستوى عالياً من البروتين التفاعلي الذي يعد مؤشراً على عدوى فيروسية حديثة.

وقد جمع سنايدر حتى الآن، بيانات عن عدة آلاف من الأشخاص خلال تفشي الوباء، بما في ذلك 14 شخصاً ثبتت إصابتهم في نهاية الأمر ب«كوفيد 19». وفي 11 حالة من أصل 14، التقطت الأجهزة إشارات قوية لوجود العدوى قبل أن يتم اختبار أصحابها، وفي تسعة منها تم الكشف عن العدوى قبل ظهور أي أعراض ملحوظة. ويتوقع سنايدر أن تتمكن التقنية من كشف كافة حالات العدوى مبكراً، خاصة في حال أخضعت التقنية لمزيد من التجارب والترقيات.

ويرأس الطبيب إريك توبول، مدير معهد سكريبس للأبحاث، فريق عمل يتابع دراسة أخرى عن الأجهزة القابلة للارتداء، كما أنه يتتبع نجاح مختلف البلدان في مكافحة الفيروس، ويعتبر الولايات المتحدة الأسوأ أداء في العالم حتى الآن.

ومع ذلك، كان العلماء الأمريكيون منشغلين باختراع طرق ذكية للخروج من الفوضى. وكان الغرض من عمليات الإغلاق، هو شراء الوقت للمستشفيات والباحثين، وإتاحة الفرصة لمسؤولي الصحة العامة لوضع استراتيجية أكثر استهدافاً. لقد قام الأطباء والعلماء بدورهم، والآن باتت لدينا تقنيات كافية للسيطرة على الوباء، ونحن الآن بحاجة إلى الالتزام المدروس والمنظم بكيفية استخدامها.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"