حكم أردوغان سينفجر من داخله

04:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمري

مفاجأة إزاحة الإخوان من حكم مصر دفعت أردوغان نحو البديل الدموي في سوريا وليبيا وغيرها، وتكثيف تواجده عسكرياً في ليبيا.

الحلم الجنوني لأردوغان في استعادة الدولة العثمانية ليكون هو سلطانها الجديد، حسب التعبير الذي استخدمه سونر جاجبتاي المؤرخ وأستاذ العلوم السياسية التركي، كان موضوع دراسات امتدت لسنوات، من خلال عمله مسؤول الدراسات التركية والشرق أوسطية، بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن.

عرض جاجبتاي في كتابه «إمبراطورية أردوغان.. تركيا وسياسات الشرق الأوسط»، للحالة التركية الراهنة. وتضمنتها أيضاً مؤلفات أخرى، منها «السلطان الجديد وأزمة تركيا المعاصرة»، إضافة إلى مقالاته التي تنشر في الكثير من صحف العالم.

يحدد المؤلف عام 2010، موعد إطلاق أردوغان أجندته للسياسة الخارجية الطموحة، لجعل تركيا قوة كبرى في المنطقة، بدءاً من النفاذ إلى مصر كبداية لإيجاد مواقع لمصالح تركيا في دول أخرى، مثل سوريا، وليبيا وغيرها، ومن يومها وتركيا تلعب دوراً رئيسياً في الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط.

إن تحديد المؤلف لعام 2010، راجع إلى انغماسه في تلك السنة تحديداً في اتصالات يومية مع ممثل «الإخوان» في أنقرة «أحمد عبدالعاطي»، وبرعاية المخابرات الأمريكية وبمشاركتها، تنفيذاً لخطة باراك أوباما في تمكين الإخوان من حكم مصر، ومن ثم دول أخرى عربية.

وقبل أن نمضي مع الصورة الموسعة التي شخص بها جاجبتاي تصرفات أردوغان، فإنني أتوقف هنا أمام ما سجله كاتب آخر هو برينار تريمبلاي، الخبير بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، ومؤلف كتب عن المنطقة، منها كتاب «تركيا وقطر وسط تعقيدات الشرق الأوسط»، وفي مقالة بعنوان «الإخوان المسلمون يلتفون من حول أردوغان»، ويقول: إن كثيراً من الأتراك يقولون صراحة إن حزب أردوغان يخسر، بسبب فقدان شبكة الإخوان المسلمين في تركيا مصداقيتهم في عيون الأتراك. وأن حزبه لم يعد لديه جاذبية لما يقوله للأتراك، وهو ما أظهرته انتخابات مايو / أيار 2017، وتراجع الالتفاف من حوله من داخل حزبه.

هنا يتفق تحليل تريمبلاي مع رؤية جاجبتاي، فهو يرى أن أحداث ما يسمى «الربيع العربى» في مصر عام 2011، ووصول الإخوان إلى الحكم، قد أنعشت أحلام أردوغان في قيام دولة متحدة، بداية من مصر، مع وصول الإخوان إلى الحكم بها، ومساعدته على استعادة دولة الخلافة العثمانية، وهي نفس عقيدة تنظيم الإخوان منذ أسسه حسن البنا عام 1928.

لكن حلم أردوغان ألقي به في سلة المهملات حين فوجئ بسقوط حكم الإخوان في مصر، عندئذ قاده تفكيره إلى طريق إثارة الأزمات، وإشعال حروب أهلية في سوريا وليبيا، وبمشاركة ميليشيات إخوانية.

نفس النظرة أعلن عنها رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو في محاضرة بجامعة دايكل في تركيا، ويقول فيها: إننا سنعمل مع دول إسلامية بالمنطقة، منها تلك التي وصل فيها الإسلاميون (ويقصد بهم الإخوان) إلى الحكم، والتي سيصلون إلى حكمها بعد ذلك.

ولكن مفاجأة إزاحة الإخوان من حكم مصر، دفعته نحو البديل الدموي، في سوريا وليبيا وغيرها، وتكثيف تواجده عسكرياً في ليبيا بإرسال قوات من جيشه، وتزويد الميليشيات التي نقلتها طائراته إلى ليبيا، بالأسلحة والطائرات المسيرة.

يقول جاجبتاي: إن سياسات أردوغان الديكتاتورية خنقت الحياة الديمقراطية، وقوضت ما كان قد حققه من إنجاز اقتصادي، فكان قمعه لشعبه مفرطاً في العنف، حيث اعتقل آلاف الصحفيين والأكاديميين، ومنعهم من مغادرة البلاد، وفصل عمداء الجامعات، واعتقل ثلاثة أرباع ضباط الجيش من ذوي الرتب الكبيرة.

ويتوقع خبير الدراسات التركية انفجار حكم أردوغان من داخله، وخاصة أن أهدافه مرفوضة من نصف السكان، وأن بلاده دخلت مرحلة التمزق الداخلي. ويقول: من الواضح أن أردوغان لا يدرك حجم العقبات التي تهدد بهدم مشروعه من داخل تركيا أولاً، ثم إن جميع سياساته الخارجية، لا تتيح له أي فرصة لتحقيق طموحه عن تركيا الكبرى، أو أن يصبح هو السلطان الجديد لهذه الدولة المتخيلة. بل إنها ستزيد الأمور سوءاً بالنسبة له في المجال الخارجي. وهنا تكمن أزمة تركيا المعاصرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"