سحر لاتيني

03:52 صباحا
قراءة دقيقتين
عثمان حسن

سجلت الرواية اللاتينية في العقود الثلاثة الأخيرة، حضوراً لافتاً في المشهد الثقافي العالمي، وذلك يعود من وجهة نظر عدد كبير من النقاد إلى أسباب جوهرية، كقدرة كتابها على تقديم أدب جديد بنكهة شعبية محلية، لم يتعود قراء الرواية في العالم على سماعه أو تذوقه، كان حائز نوبل جارسيا ماركيز أول من عبر حدود قارته الهادئة، فدشن نوعاً جديداً من الأدب غير المعهود للقارئ الأجنبي والعربي، فوقف هذا القارئ مشدوها بما يسمع، من أقاصيص وحكايات يسمعها لأول مرة، وفي الوقت الذي كانت فيه ذائقة القارئ الأجنبي تعيش روايات كتابها المستلة من الواقع الصرف، أصبح هؤلاء القراء على موعد مع نكهة شعبية غرائبية تمزج بين الواقع والأسطورة في مزيج مبهر، واستثنائي، يعتمد بشكل خاص على حسن إصغاء كتاب أمريكا اللاتينية لحكايات وقصص الأجداد والجدات، فينقلون هذا الإصغاء إلى سرد مفعم بحلاوة ومذاق لا يشبهان العالم الواقعي الذي يعيشه القارئ.

إن الرواية اللاتينية تمتاز بخصوصيات معمارية لافتة للانتباه، توازن بين البنية النصية وأفقها الدرامي، بطريقة علمية مدروسة، سواء في سرد الأحداث أو تواتر الشخصيات، وهذه البنية، كما قلنا، تشتغل على توازن عميق بين الحكاية والخيال، بإبداع استثنائي يحسب لها، فلا غرابة إذاً حين يصف البيروفي ماريو بارجاس يوسا الروائي الأصيل، بأنه ذلك الذي يكتب استجابة لنداء الأعماق، ولا عجب أيضاً من أن تخترق روايات المكسيكي خوان رولفو وجدان القارئ العالمي، بقدرتها على المزج الفذ بين الواقع والخيال.

أسباب عديدة يمكن رصدها في مسيرة تألق الرواية اللاتينية، وانتشارها اللافت في العالم، منها أيضاً انشغال كتابها بأكثر من جنس أدبي، ما بين الشعر والقصة القصيرة وفن المقالة الأدبية والترجمة.

فماركيز كتب القصة القصيرة، واحترف الصحافة، وكان نابغاً في فن المقالة وغيرها من الفنون الإبداعية، أما المكسيكي كارلوس فوينتس، الذي أثار جدلاً واسعاً في كتاباته حول هوية المكسيك وسكانها، فكتب في بداية الأمر القصة وذلك في مجموعته الشهيرة «الأيام المقنعة» مروراً برواياته الشهيرة: «منطقة مقدسة» و«أرضنا» و«نشيد العميان» وغيرها.

وهكذا كان الأرجنتيني، بورخيس الذي نال شهرة أدبية عالمية بسبب قصصه القصيرة، قد بدأ كتابة المقال والشعر والعديد من المسرحيات، وعدد غير محدود من المقالات النقدية الأدبية إلى جانب كونه مترجماً بارعاً، هذا غير اهتماماته الفكرية في الرياضيات وعلم اللاهوت والفلسفة.

نحن أمام أدب أمريكا اللاتينية بصفة عامة، نقف على مفترق طرق أمام غزارة في الإنتاج، وجهت مسار الذائقة الأدبية، نحو شكل فني جديد ساحر وعجيب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وشاعر وصحفي أردني، عمل في الصحافة الأردنية / في القسم الثقافي بجريدة الدستور ، ويعمل اليوم محررا في جريدة الخليج الإماراتية / القسم الثقافي، صدرت له عدة كتب في الشعر بينها: "ظلال" ، وردة الهذيان / ، وكبرياء الصفة / ، كما صدر له كتاب في الإمارات بعنوان "محطات حوارية مع وجوه ثقافية إماراتية" .
له كتاب مترجم غير منشور/ قصائد عن الإنجليزية، نشرت بعض هذه القصائد في "ثقافة الدستور" وفي مواقع إلكترونية محكمة مثل موقع "جهة الشعر.
شارك في أماسي وملتقيات شعرية عربية كثيرة، وقد قدمت حول نتاجاته الأدبية الكثير من القراءات النقدية.
عضو رابطة الكتاب الأردنيين ، وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"