المبادئ تحدد الأشياء

03:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

منذ نحو شهر كتبت مقالاً تحت عنوان: أسئلة لمن يريد قيادة الأمة. لكن إخواناً أعزاء في مصر الحبيبة أرادوه أن يكون مدخلاً لحوار متفاعل ثري تحت عنوان: «حوار مفتوح.. من يقود الأمة نحو عمل عربي مشترك؟»، وككل الحوارات تباينت واختلفت الآراء حول طبيعة الموضوع المطروح، ومن ثم حول الاستنتاجات والمقترحات.
مقالي الذي نشرته آنذاك انطلق من قاعدة فلسفية تقول: إن المبادئ هي ما تتحدد بها الأشياء في تركيبتها وفي وسائلها. وهي قاعدة أثبتت أحداث التاريخ البشري الكبرى أهميتها. فعلى سبيل المثال كان للمبادئ والقيم الإسلامية الفضل الأكبر في تحفيز ودفع العرب الممزقين المتناحرين نحو بناء ونشر حضارة عربية إسلامية بالغة الحيوية في نتاجاتها المادية والمعنوية، وبالمثل كان للأفكار الفلسفية والمبادئ السياسية الإنسانية التي طرحها كبار المفكرين والكتاب الفرنسيين والأوروبيين الفضل الأعظم في تفجير الثورة الفرنسية، وفي تحديد مكوناتها وأهدافها ومسيرتها التاريخية إلى يومنا هذا.
ولذلك، فعندما طرح البعض أنفسهم، أو طرحتهم جهات خارجية لأسباب تخصها، كمرشحين لقيادة الأمة، وذلك من أجل إخراجها من وضعها المعلول البائس المجنون الذي تعيشه حالياً، كان لا بد من طرح أسئلة مفصلية جادة في أمور السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة على أولئك المرشحين لمعرفة المنطلقات والأسس والمبادئ التي سيحتكم إليها من يتصدى لمهمة القيادة.
الأسئلة لم تكن معنية بتسمية من هو مؤهل للقيام بذلك، فالوضع العربي المستباح الممزق المتصارع لم يبقَ فيه مؤهل بديهي جاهز نتوجه إليه. وبصراحة، فإن المؤهل لا يكفيه أن يتمتع بغنى اقتصاد ريعي، خصوصاً إذا كان ذلك الاقتصاد رأسمالياً نيولبرالياً عولمياً، ولا يكفيه أن تكون لديه ماكينة إعلام وعلاقات عامة، ولا يكفيه أن ترشحه صراعات المسرح الدولي لأسباب تخصها وتخدم أهدافها الاستراتيجية.
المؤهل يحتاج أن يلتزم بمشروع إصلاحي وتغييري جذري يخرج الأمة، كل الأمة، من تخلفها التاريخي الطويل. من هنا أهمية الحديث عن المبادئ والأهداف التي ستحكم ذلك المشروع والتي، بعد صوغها والاتفاق عليها، ستشير إلى من هو المؤهل.
فإذا كانت المبادئ غامضة، أو سطحية أو مظهرية كلامية، أو تختفي وراء أقنعة، فإن الحديث عن مشروع قومي إنقاذي، تحمله وتدعو إليه، وتناضل من أجله هذه الجهة العربية أو تلك، يصبح بلا معنى.
من هنا طرحنا الأسئلة التي نعتقد أنها ستوصل، أن أجيب عنها بصدق وموضوعية والتزام قومي، إلى تبني الآتي:
1- أن يكون الهدف النهائي هو وحدة هذه الأمة في كيان أو نظام سياسي موحد يتفق عليه، حتى لو كان ذلك تدريجياً، يبدأ بالتضامن والتنسيق والمؤسسات المشتركة، وينبني على أسس علمية واقعية. ولنا في تجارب الآخرين، من مثل الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الماليزي أو الفيدرالية الأمريكية، أمثلة نحتذي بنجاحاتها.
2- أن تراعي تلك الخطوات التوحيدية الانتقال التدريجي المتنامي إلى حياة سياسية تمارس المتطلبات الديمقراطية العادلة بكل تجلياتها الدستورية والقانونية والمؤسساتية ونظام الحكم، والتي تؤدي إلى الحرية وتكافؤ الفرص والمواطنة المتساوية، وترفض الانحيازات الطائفية والقبلية في الحياة السياسية.
3- أن يلتزم المشروع ببناء تنمية إنسانية شاملة ومستمرة، بما فيها اقتصاد إنتاجي معرفي يراعي عدالة توزيع الثروة والتزامات دولة الرفاهية الاجتماعية، وحقوق الفقراء والمهمشين، ورفض إملاءات الهيمنة العولمية الرأسمالية النيولبرالية المتوحشة.
4- الانخراط في عملية كبرى لتجديد الثقافة العربية، وتخليصها من كل ما علق بها من تخلف في الفكر والمنهجية، بما في ذلك الدفع لبناء حداثة عربية ذاتية عقلانية إنسانية أخلاقية، تتفاعل مع حداثات الآخرين بندية وتسامح، وتسهم مع الآخرين في تطوير حضارة العصر وإغنائها.
تبني تلك التوجهات الوجودية والتقدمية هو الضمان لئلا يكون للوجود الاستعماري والصهيوني مكان في أرض العرب، ولئلا يكون هناك ظلم وتهميش لأي مكون من مكونات الأمة.
هل هناك أمل في أن يوجد من يحمل ذلك المشروع، ويناضل من أجل نشره وتبنيه؟ نعم، هناك أمل كبير في شباب هذه الأمة. إن ما فعلوه من حراكات باهرة وما قدموه ويقدمونه من تضحيات يؤكد وجود إرادة التغيير.
الأمل في وعي المجتمع المدني العربي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"