«يوتيـوب» الأطفـال.. متنفـس للإبداع وتطوير المهارات

تربطهم بأصدقائهم ومعارفهم وتمنحهم الشهرة
01:52 صباحا
قراءة 5 دقائق
تحقيق: مها عادل

منذ بداية انتشار فيروس «كورونا»، وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، والتزام كل أفراد الأسرة بالبقاء في المنزل، تعالت أصوات الكثير من العائلات بالشكوى من شعور الأطفال بالملل وزيادة الخلافات بين الأخوة داخل البيت، ومعاناة الأبناء من عدم الخروج للعب وتفريغ الطاقات خارج المنزل. ولكن على الجانب الآخر هناك عائلات نجحت في تحويل الجائحة إلى فرصة لتنمية المواهب وتطوير المهارات واستغلال وقت الفراغ في أشياء مفيدة، ومن أهم النماذج التي نجحت في استثمار الفترة الاستثنائية، هم مجموعة من الأطفال المبدعين الذين قرروا تحدي تداعيات «كورونا»، واجتياز حدود المنزل وجدرانه الصماء إلى العالم الافتراضي الرحب والمفتوح على مصراعيه.
هؤلاء الأطفال قاموا تحت إشراف الأهل ومتابعتهم بعمل قنوات خاصة بهم على ال«يوتيوب» لتكون مساحتهم للإبداع، لتربطهم بأصدقائهم ومعارفهم وتفرغ طاقاتهم وتستثمر وجودهم في البيت في عمل مفيد، ونجح الكثير منهم في تحقيق نجاح ملموس، وأعداد كبيرة من المشاهدات والمتابعات، الأمر الذي جعلهم من النجوم والمشاهير الذين يصدرون الإلهام والبهجة لغيرهم من الأطفال.
في السطور التالية نتعرف إلى تجارب بعض هؤلاء الأطفال الموهوبين ودور عائلاتهم في دعمهم في هذا المجال.
من أبرز قنوات ال«يوتيوب» التي أنشأها ويديرها الصغار وازدهرت خلال الأشهر الماضية «Rana and Menna» للتوأمتين رنا جلال ومنة، وتحصد إعجاب مئات المتابعين، إذ تقدما برامج وفقرات درامية بسيطة يشاركهما فيها شقيقهما الأصغر عمر عبر اسكتشات كوميدية تعرض وجهة نظر الصغار في كثير من القضايا الاجتماعية التي تحدث حولهم مثل مسلسل «الخادمة الشريرة» التي تسيء معاملة الأطفال في غياب الأهل وهو الفيديو الذي تم تقديمه في شكل سلسلة من الحلقات حصدت مشاهدات كثيرة.
وتحدثنا منة جلال عن فكرة القناة ومحتواها وتقول: اتخذت مع شقيقتي رنا قرار إطلاق قناة خاصة بنا على ال«يوتيوب» لتخاطب الأطفال في مرحلتنا العمرية (12 عاماً)، وتكون وسيلة للتسلية لنا ولغيرنا من الأطفال، وحرصنا على تقديم محتوى مفيداً يجذب متابعينا مثل التحديات ومسابقات المعلومات العامة أو المسلسلات الكوميدية التي نمثل فيها ونشبع هوايتنا وموهبتنا في الأداء وكتابة القصص والتمثيل، وكان الهدف هو إطلاق مساحة نعبر فيها عن أنفسنا حتى لو كان ذلك داخل جدران البيت، فهي فرصة لنتعلم ونتسلى ونلعب ونمارس ما نحب وأدعو غيري من الأطفال لتكرار نفس التجربة، لأنها تزيد من ثقتنا بقدراتنا وتطور مهاراتنا في الكتابة والتصوير والمونتاج، وتعلمنا أشياء كثيرة أهمها تقبل آراء الآخرين واكتساب روح الفريق وتقسيم المهام بيننا.
وتشاركنا الحديث رنا جلال وتقول: حرصنا على تقديم محتوى يرسم البهجة على الوجوه وما أسعدنا هو أن الفيديوهات التي نقدمها والتي نقصد بها مخاطبة الأطفال في مرحلتنا العمرية من 8 إلى 15 عاماً حازت أيضاً إعجاب المشاهدين الكبار، ووصلتنا العديد من رسائل التشجيع من الكبار الذين أعجبهم ما نقدمه وصاروا من متابعي قناتنا. وبفضل انشغالنا في الكتابة والتصوير لا نعاني مثل أطفال آخرين الملل والشكوى المستمرة، بسبب المكوث في البيت، بل نجحنا في ملء أوقات فراغنا بما يفيد.
يطلعنا جلال إبراهيم والد منة ورنا والداعم الأول لهما على دور الأسرة في تشجيع وإبراز مواهب أبنائها ويقول: فكرة وجود القناة على «يوتيوب» كانت مطروحة قبل انتشار «كورونا» خاصة أنني قمت بتعليم منة ورنا فنون التصوير والمونتاج منذ وقت طويل، وشعرت بالانبهار من سرعة تعلمهما والواقع أن هذا الجيل يستمتع بالتكنولوجيا ويتقبلها ويتعلمها بسرعة أكبر بكثير من الكبار، وأعتقد أن القناة نجحت بالفعل في تقديم متنفساً لهما خلال فترة المكوث بالمنزل وساعدتهما على التعبير عن ذاتهما والتواصل مع الآخرين.


العالم الافتراضي


تجربة أخرى تحدثنا عنها الطفلة غنى عبد الواحد قاسم (8 أعوام) وهي أيضاً واحدة من نجمات «يوتيوب» قائلة: فكرت أن يكون لي قناة على «يوتيوب» بغرض نشر موضوعات ترفيهية ممتعة تزيد من تواصلي مع أصدقائي عبر العالم الافتراضي وتجمعنا في حالة من التواصل والاستمتاع خاصة في فترة التباعد الاجتماعي لمواجهة «كورونا» وتعلمت مهارات جديدة وحققت شهرة بين أصدقائي، فأنا أهوى التصوير واستمتع بفترة إعداد المحتوى للقناة، ويسعدني إعجاب المتابعين لما أقدمه من محتوى كوميدي وترفيهي وأطمع أن أحقق نجاحاً على مستوى العالم وأصبح من نجوم يوتيوب العالميين.
ويشاركنا الحديث والدها عبد الواحد قاسم ويقول: لاحظت شغف ابنتي بالتصوير وقدرتها على تقليد بعض الشخصيات، ومن هنا حرصت على تشجيعها لإبراز مواهبها وأطلقت قناتها على «يوتيوب» ونشرت صورها وفيديوهاتها تحت إشرافنا، و قمت بدعمها بجهاز «آي باد» والسماح لها باستخدام أجهزتنا في التصوير وبعد نجاحها، سنستمر في دعمها وإمدادها بأدوات تصوير متخصصة ومتقدمة لتطوير قدراتها وتشجيعها.
وتتفق عصمت الوتيدي والدة الطفلة نادين علاء البنوبي صاحبة قناة «Nadine way» مع الرأي السابق وتوضح: استفدت كثيراً من فترة العمل عن بعد، حيث أصبحت استثمر وقتاً أكبر مع ابنتي وأخصص لها المزيد من الجهد والمتابعة والتعرف إلى مواهبها وقمت بتشجيعها على إطلاق قناتها على «يوتيوب» بعد أن لاحظت شغفها الشديد بالتصوير وحماستها لإطلاق موهبتها للنور، ورغم أن الفكرة بدت لي غريبة في البداية خاصة لصغر سنها (15 سنة) ولكنني دعمتها بكلمات تشجيعية لتساعدها على تفريغ طاقاتها وإرضاء شغفها، ولم أخش من تعرضها لبعض التعليقات السلبية أو الساخرة، لأن هذا يزيد من صلابتها في مواجهة النقد وأمور الحياة، ووجدت أن اهتمامها بالقراءة والبحث عن المعلومات لتقديم محتوى مفيد يستحق التشجيع وشيئاً فشيئاً أصبحت هي مصدر إلهام لكثير من أصدقائها الذين ساروا على خطاها وأطلقوا قنواتهم الخاصة أيضاً، وأصبح لها محيط اجتماعي واسع ومتنوع.
أما نادين البنوبي فتحدثنا عن فكرة القناة وتقول: تعلمت الكثير من المهارات مثل آليات المونتاج والنشر عبر «يوتيوب» ومع زيادة عدد المتابعين وشعوري بأنني أصبحت معروفة إلى حد ما أصبحت أشعر بمسؤولية أكبر وزاد حرصي على تقديم محتوى مفيداً لكل من يتابعني، وأن أقدم معلومات ونصائح وأفكاراً قد تفيد المتابعين لي وتحسن من حياتهم للأفضل، وأن أمنحهم طاقة إيجابية وأقدم موضوعات عامة ومتنوعة عن الدراسة أو الروتين اليومي في الحياة و تحسينه أو محتوى عن الطهي لأقراني أو فيديوهات ترفيهية وتحديات مختلفة واستفدت كثيراً في تمضية وقت فراغي بالبيت في شيء ممتع ومفيد وأتمنى أن أصبح مصدر إلهام وتحفيز لغيري من المتابعين، ليحققوا أحلامهم ويطوروا مهاراتهم.


التباعد الاجتماعي


أما محمد محسن طميني (15 عاماً) فيشاركنا فكرة قناته على «يوتيوب» ويوضح: فكرت أن أستغل فترة التباعد الاجتماعي في إطلاق قناتي على «يوتيوب» لأتغلب على هذه الفترة بالتواصل مع أصدقائي والعالم خارج جدران البيت، ولاستثمار وقتي في شيء ممتع وتخصصت قناتي في تصوير فيديوهات عن الألعاب المختلفة التي تسعدنا ونجتمع على حبها أنا وأصدقائي، وبالفعل عقب إطلاقها وإعجاب الكثيرين بها وزيادة المتابعين والمشتركين شعرت بأهمية العمل الذي قمت به حيث إنني قمت بكل شيء بمفردي وتعلمت مهارات جديدة ومتنوعة واستمتعت كثيراً بهذا الجهد وزادت ثقتي بنفسي وتوطدت علاقاتي بأصدقائي وتخلصت تماماً من شعور الضجر الذي رافقني في بداية الأمر وعدم الذهاب للمدرسة والتعليم بالبيت.
وتلتقط فاطمة خيط والدة محمد طميني الحديث، لتخبرنا عن انطباعاتها عن تجربة ابنها وتقول: في بداية الأمر عندما أخبرني ابني عن رغبته في إطلاق القناة لم أرحب بالفكرة ولم أكن أعلم ما يمكن أن يواجهه، وحاولت إثنائه عن الفكرة وتوجيهه لأفكار أخرى ولكن أمام إصراره، وافقت وراقبت الموضوع عن كثب وفوجئت بتحسن كبير في شخصيته، خاصة أنه خجول وانطوائي، ولكن القناة وفرت له فرصة ليعيد اكتشاف ذاته والتواصل والتفاعل مع أصدقائه عبر المحتوى الذي يقدمه عن الألعاب وتخلص من الخجل، وتحسنت قدراته الاجتماعية وقدرته على التعبير عن نفسه وأصبحت قناته شغفاً وغاية وقمت بمساعدته في نشر رابط القناة بين كل أصدقائي ومعارفي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"