التبرع

01:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

يقولون: فلان تبرع بمبلغ كذا لمصلحة الفقراء في البلدة الفلانية، أو تبرع بمبلغ كذا لبناء مسجد في بلد كذا.
- يا ترى ما حقيقة التبرع؟ هل هو عقد مستقبل، أم أنه صفقة تطلق على الشخص الذي يبذل مالاً أو منفعة لغيره في الحال أو في المستقبل، من غير عوض، ويقصد بعمله ذاك القربة إلى الله والبر إلى الناس؟
- نعم... التبرع هو هذا الذي ذكرناه، ويمكن أن يطلق على عمل كل من الواقف والموصي والواهب والمتطوع والمعير، لأن مصطلح المتبرع، يعني أن كلاً من هؤلاء يقوم بعمل غير مفروض ولا واجب، وحتى الذي يهدي شيئاً إلى غيره، يطلق عليه لفظ المتبرع، وإن كانت المهاداة في ظاهرها لا تحمل معنى القربة، لكن بما أنها في النهاية تؤدي إلى المحبة فهي قربة وطاعة.
- إذن التبرع ليس عبادة مخصوصة ولا معاملة مخصوصة، وإنما هو الوقف أحياناً، أو الهبة أو الوصية أو الإعارة أو الهدية أحياناً أخرى.
- لذلك فإن الفقهاء لم يذكروا التبرع بشكل مخصوص ولا بشروط مخصوصة، لأنه يختلف باختلاف مجاله، فالوصية غير الهبة، والوقف غير الإعارة والهدية وهكذا.
- من أجل ذلك قالوا إن التبرع قد تكون له أحكام خمسة، لماذا؟ لأن الوصية على سبيل المثال وهي من أنواع التبرع، تكون واجبة إذا كان قد أوصى بأن يحج عنه مثلاً، وقد تكون مندوبة وتلك في حالة أن يوصي لورثته في حدود الثلث إلا أنهم أغنياء.
وتكون الوصية حراماً إذا أوصى مثلاً بأن يُبنى بجزء من ماله مرقص، وتكون مكروهة إذا أوصى لجاره الفقير في حين أن له قريباً فقيراً، وتكون مباحة إذا أوصى في حدود الثلث الذي أجاز له الشرع، لكن لرجل غني ليس بينه وبينه أي صلة قرابة، مفضلاً إياه على أقربائه الأغنياء.
- وما يقال عن الوصية يمكن أن يقال عن التبرعات الأخرى، لكن كل في بابه وحسب شروطه التي ذكرها الفقهاء.
- والتبرع بمجمله مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، لأنه من عمل البر والتقوى، قال تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، (الآية ٢ من سورة المائدة).
- والتبرع كما رأينا يمكن أن يؤديه الإنسان عيناً، كأن يتبرع بمبلغ أو بسيارة لعمل الخير، ويمكن أن يكون منفعة، كأن يحفظ طفلاً القرآن الكريم، أو يعلمه، أو أن يعير كتاباً لقراءته، أو جهازاً لاستخدام معين، فكل هذه تعد منفعة، وكذلك المسجد وبيوت الخير، لأن الأصل يبقى محبوساً، والمنفعة تأخذ طريقها إلى الناس كصدقة جارية.
- والتبرع يمكن أن ينتقل إلى المتبرع له في الحال كالهبة والهدية لأنه يملكها بالقبض، ويمكن أن يكون مؤجلاً كالوصية حيث إن الموصى له لا يستفيد منه ولا يملكه إلا بعد موت الموصي.
والتبرع كما يحصل من المسلم، يحصل من غير المسلم أيضاً، كما نسمع عن بعض المخترعين أو أصحاب الشركات الكبيرة، بأنهم تبرعوا بجزء من مالهم لمصلحة المعاقين في العالم، أو أن فلاناً تبرع بنسبة 90٪ من ماله لبناء دور للأيتام على أن ينفذ تبرعه بعد موته.
- ويلاحظ أن تبرعهم يأخذ شكل الوقف أحياناً، أو شكل الوصية إذا تعلق بما بعد الموت، إلا أننا لا نستطيع أن نجزم بأن ذلك منهم قربة إلى الله يثاب عليها فاعلها في الآخرة، لأن ثواب الآخرة يحتاج إلى أن يكون العمل صالحاً والصلاح يحتاج إلى الإسلام على الأرجح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"