انقسام «النهضة» يهدد تونس

03:04 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد عز العرب *

تواجه حركة النهضة تحديات ضاغطة، خلال المرحلة الحالية، تتعلق بتزايد الانقسامات داخلها على خلفية قضايا مختلفة، ثم بالصراع داخل الائتلاف الحاكم، وتزايد المعارض لها في الشارع، والوسط السياسي، والبرلمان. إضافة إلى الصراع مع الرئيس قيس سعيّد.
تتمثل أبرز التحديات التي تواجه حركة النهضة، داخلياً، وخارجياً، فيما يلي:


رئاسة الغنوشي


1- التجديد لراشد الغنوشي، في ما يخص رئاسته لحركة النهضة: ثمة انقسام داخل النهضة بين اتجاهين رئيسيين، الأول يشير إلى توجه عناصر وقيادات الحركة للاحتفاظ بالغنوشي على رأسها لدورة جديدة، ويعتبر أن الحل يكمن في تنقيح القانون الداخلي، لتمكين الغنوشي من قيادة الحركة خلال المرحلة المقبلة، باعتبارها «دورة استثنائية»، على حد تعبير البعض، مع الأخذ في الاعتبار ظهور خلافات، سواء داخل الائتلاف الحاكم، أو في علاقته بالقوى السياسية المعارضة، خاصة الحزب الدستوري الحر. وما يدعم هذا الاتجاه ما أعلنه عبدالكريم الهاروني، رئيس الشورى، خلال انتهاء فعاليات الدورة الأربعين لمجلس شورى النهضة، بمدينة الحمامات، في نهاية يونيو/ حزيران 2020، من إبقاء الباب مفتوحاً أمام الغنوشي لمواصلة ترؤسه للحركة. الاتجاه الثاني رافض لذلك، ويطالب باكتفاء الغنوشي برئاسة الحركة في المدتين السابقتين، لاسيما بعد المشكلات، التي آثارها في المدة الأخيرة، سواء داخل النهضة، أو مع الرئيس قيس سعيّد، فضلاً عن تفرغه لمهمة رئيس مجلس نواب الشعب التونسي، (البرلمان). وفي هذا السياق، صرح رئيس الحكومة الأسبق ونائب حركة النهضة «علي العريض»، بتاريخ 5 يوليو/ تموز الجاري، أنه «يعتقد أن رئيس الحركة راشد الغنوشي سيحترم النظام الأساسي لحزب النهضة المتعلق، برئاسة الحركة لمدتين فقط».


مصالح الفخفاخ


2- تصاعد خلاف حركة النهضة مع رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ:

يواجه الائتلاف الحكومي اختباراً بعد تزايد الانتقادات الموجهة من قبل نواب البرلمان، على نحو ما جرى خلال الجلسة البرلمانية، التي عقدت في 25 يونيو/ حزيران الماضي، لتقييم حصيلة مئة يوم من عمل الحكومة، وهدد البعض بسحب الثقة من الفخفاخ، بسبب الجدل حول استغلاله لمنصبه، وتحديداً الشركة التي يمتلك الفخفاخ أسهماً فيها، التي حصلت على صفقتين مع الدولة بقيمة 44 مليون دينار تونسي، (نحو 15,4 مليون دولار)، خلال فترة الحجر الصحي. وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة يفترض أنه يبتعد عن شبهات الفساد وتعارض المصالح، إلا أن الفخفاخ دافع عن موقفه قائلًا: «إن من حق الوزير أن ينمّي ثروته، ويستثمر أمواله وهو خارج المسؤولية»، والالتزام برقابة هيئة مكافحة الفساد، وهو في المسؤولية.
وهنا، تم تكليف لجنة برلمانية وإحدى الهيئات الرقابية للتحقيق في تهمة تضارب المصالح، لاسيما في ظل الرغبة الكلية لمواجهة الفساد، غير أن كتلة حركة النهضة رفضت التوقيع على عريضة سحب الثقة من رئيس الحكومة، والتي اقترحها بعض نواب «حزب قلب تونس»، وتمسكت في المقابل بالضغط على رئيس الحكومة لتوضيح الموقف. وقد قرر المكتب التنفيذي لحركة النهضة مؤخراً، عرض ملف تضارب المصالح الخاص برئيس الحكومة «إلياس الفخفاخ»، على مجلس الشورى في دورته المقبلة لاتخاذ القرار المناسب.


«إرهاب» النهضة


3- ازدياد المعارضة ضد النهضة داخل البرلمان وفي الشارع:

أصدر مكتب مجلس نواب الشعب التونسي بياناً في 3 يوليو/ تموز 2020، أعلن فيه عن رفضه تمرير اللائحة التي تقدم بها الحزب الدستوري الحر برئاسة «عبير موسى» في يونيو/ حزيران الماضي، وكانت بهدف تصنيف حركة النهضة (الإخوان المسلمين) تنظيماً إرهابياً بشكل رسمي، واعتبار كل شخص طبيعي، أو معنوي، يحمل الجنسية التونسية، له ارتباطات مع هذا التنظيم، مرتكباً لجريمة إرهابية طبقاً لقانون مكافحة الإرهاب.
وجاء في البيان الصادر عن مكتب مجلس نواب الشعب (يتكون من رئيس المجلس ونائبيه، و10 أعضاء من مختلف الكتل، وتتمثل مهامه في إقرار جدول أعمال الجلسات العامة، وضبط أجندة عمل المجلس)، تفسير سبب رفضه لتمرير هذه اللائحة، وتحديد جلسة عامة للتصويت عليها داخل المجلس؛ معتبراً أنها مخالفة لمقتضيات خاتمة الفقرة الأولى من الفصل 141 من النظام الداخلي للمجلس، بحكم أن ما تتضمنه من طلب لتصنيف جريمة إرهابية جديدة يدخل في مجال التشريع، وقد تم رفض تمرير اللائحة بتصويت 5 نواب، ضد 6 نواب عارضوها داخل المكتب.
وعلى الرغم من نجاح حركة النهضة في مواجهة حملات المعارضة ضدها داخل البرلمان، وكان آخرها إسقاط اللائحة المقدمة من الحزب الدستوري الحر، التي تصنف «الإخوان المسلمين» كجماعة إرهابية، إلا أن قطاعاً من الشارع التونسي، لا يزال مناوئاً لممارسات النهضة، إذ قام عدد كبير من التونسيين بتنظيم وقفة احتجاجية في شارع الحبيب بورقيبة في وسط العاصمة تونس، للتنديد بذلك الإسقاط.


الاستقطاب الإقليمي


4- تباين الرؤى بين النهضة والرئيس قيس سعيّد إزاء الصراع الليبي:

فقد قام راشد الغنوشي بتهنئة السراج رئيس حكومة الوفاق في ليبي،ا فايز السراج، بمناسبة استيلاء قواته المدعومة من الميليشيات بالسيطرة على قاعدة الوطية الاستراتيجية، ما جعل العديد من المراقبين يرون أنه بتلك الخطوة يعلن عن تورط حزبه، بشكل مباشر، في الصراع الليبي، وأنه يعمل على تنفيذ الأجندة التركية والقطرية في ليبيا. في حين يتبنى نهجاً مغايراً الرئيس قيس سعيد قائم على نهج الحياد. وقد اتضح ذلك خلال زيارته الأوروبية الأولى منذ توليّه رئاسة تونس في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث أكد خلال مؤتمر صحفي مشترك في باريس، مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 22 يونيو/ حزيران 2020 أن «شرعية حكومة الوفاق لا تعني أن تستمر في الحكم أبداً، وأنه يجب إنتاج سلطة شرعية جديدة في ليبيا نابعة من إرادة الشعب»، مشدداً على أن «تونس ترفض بشكل قاطع أي مخطط يهدد أمن ووحدة التراب الليبي». وقد رفعت الوحدات الأمنية التونسية، خلال الأيام القليلة الماضية، درجة التأهب على الحدود البرية، والبحرية، بين تونس وليبيا، بعد تنفيذ ضربات جوية على قاعدة الوطية العسكرية غير البعيدة عن الحدود التونسية.
يأتي ذلك في سياق استمرار الحرب على الإرهاب، حيث صرح رئيس الحكومة «إلياس الفخفاخ»، بتاريخ 5 يوليو/ تموز الجاري، إن «الحرب على الإرهاب لا تزال متواصلة في تونس»، وشدد على ضرورة دعم الحكومة المطلق للقوات الأمنية، مع ضرورة الحرص تحسين الإطار التشريعي، والقانوني، والتنظيمي، لعمل كل القوات الحاملة للسلاح، لتعزيز قدرتها على كسب الحرب على الإرهاب.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"