لقاح «كورونا».. صراع عالمي جديد

02:59 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: قسم التحقيقات

تشير آخر مستجدات السعي لتوفير لقاح حاسم لمعالجة وباء كورونا، إلى أن العالم بدأ يدرك أهمية تنسيق الجهود نحو بلوغ هذا الهدف، بعد أن تنازعت دوله الفاعلة، مصالح احتكار الإنجاز واستغلاله سياسياً وعلاجياً، كل في إطار استراتيجيته العالمية لتحقيق نصر من نوع ما.
إن اشتداد ضربات الوباء وارتفاع عدد المصابين الذي تجاوز 10 ملايين في مختلف أنحاء العالم، واقتراب عدد الوفيات من نصف مليون، كل ذلك خفف من حدة تجاوب بعض الدول الفاعلة مع الدعوات لتعزيز مواقفها الفردية، لمصلحة التجاوب مع نداءات صدرت في الأغلب عن هيئات صحية ومراكز أبحاث ناشطة في هذا المجال، نحو تقارب المواقف وتنسيق الجهود، وخاصة ما تعلق منها بالتمويل، لمواجهة جائحة قد لا تبقي ولا تذر.
وتكللت تلك المساعي بعقد قمة عالمية، استضافتها المملكة المتحدة، وحضرها رؤساء الحكومات، وقادة الأعمال عبر تطبيق «زووم»، بالاتفاق على تأمين 8.8 مليار دولار لتمويل برامج اللقاحات للسنوات القادمة.
وحاولت قمة «اللقاحات العالمية» وضع خريطة طريق لضمان أن أي لقاح مستقبلي للفيروس سيكون متاحاً لجميع الذين يحتاجون إليه في جميع أنحاء العالم.
وشارك في القمة التي نظمت وبثت أعمالها عبر الإنترنت بسبب الوباء، 25 رئيس دولة، وأكثر من 50 ممثلاً من الحكومات الأخرى والقطاع الخاص.
وتعمل الحكومات والشركات والمختبرات الأكاديمية على تسريع جهودها وسط التيارات الجيوسياسية والتساؤلات حول السلامة وتحديات إنتاج جرعات كافية لمليارات الأشخاص.


سباق على اللقاح


بعد أشهر من بدء الفيروس الغامض مسيرته المميتة في جميع أنحاء العالم، اكتسب البحث عن لقاح زخماً لم يسبق له مثيل في الأبحاث الطبية، للجم آثار الفيروس الضخمة في الصحة العامة والاقتصاد العالمي والسياسة. وقد وصلت سبعة من أصل 90 مشروعاً تقريباً تديرها الحكومات وصانعو الأدوية ومبتكرو التكنولوجيا الحيوية والمختبرات الأكاديمية، إلى مرحلة التجارب السريرية. ومع تزايد ضغط القادة السياسيين من أجل تحقيق التقدم، ومع وجود أرباح كبيرة محتملة على المحك لهذه الصناعة التي تقدرها أوساط القطاع بنحو 2.8 مليار دولار بحلول عام 2025، يقول صانعو الأدوية والباحثون إنهم يمضون قدماً بسرعة غير مسبوقة.
لكن المشروع برمته لا يزال يعاني عدم اليقين بشأن ما إذا كان أي لقاح ضد كورونا سوف يثبت فاعليته، والسرعة التي يمكن توفيره بها لملايين أو مليارات الأشخاص، وما إذا كان الاندفاع قادراً على اختصار زمن العملية من 10 سنوات إلى 10 أشهر دون التضحية بسلامة الناس.
يقول بعض الخبراء: إن المجال الأكثر وعداً قد يكون تطوير العلاجات المستخدمة سابقاً لتسريع الشفاء من كورونا، وهو النهج الذي ولّد بعض التفاؤل في الأسبوع الماضي من خلال تشجيع نتائج البحث على«ريميديسيفير»، وهو عقار مضاد للفيروسات تمت تجربته سابقاً في مكافحة الإيبولا.


لقاحات لم يتم تطويرها


في عصر تصاعد النزعات القومية، تصبح الجغرافيا السياسية لسباقات اللقاح أكثر تعقيداً من الأبحاث الطبية. لقد أدت حملات التشهير المتبادل بين الولايات المتحدة والصين حول أصل الفيروس إلى تسميم معظم جهود التعاون بينهما. وتنبه الحكومة الأمريكية إلى وجوب حماية الابتكارات الأمريكية من السرقة - وتوجه تحذيراتها بشكل رئيسي لبكين.
وتدفع كثافة الجهود البحثية العالمية الحكومات والشركات إلى تبني خطوط الإنتاج قبل أن يكون لديها أي شيء لإنتاجه.
وقال د. أنتوني فوسي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض السارية وكبير خبراء الحكومة الفيدرالية في الأمراض السارية، على شبكة «إن بي سي» خلال الأسبوع الفائت: «سنبدأ في زيادة الإنتاج مع الشركات المعنية، ولن ننتظر حتى نحصل على إجابة قبل بدء التصنيع». وأعلنت شركات رائدة في الولايات المتحدة، منها «جونسون آند جونسون» و«مودرنا»، عن اتفاقيات مع شركات التصنيع، حيث وعدت الأولى بتوفير مليار جرعة من لقاح لم يتم تطويره حتى الآن بحلول نهاية العام المقبل.
وقالت شركة الأدوية العملاقة «أسترا زينيكا»، ومقرها بريطانيا، إنها تعمل على مشروع تطوير اللقاحات مع جامعة أكسفورد لتصنيع عشرات الملايين من الجرعات بحلول نهاية هذا العام.


الربح وحاجة الجمهور


وحتى عند العثور على حلول واعدة، هناك تحديات كبيرة لزيادة الإنتاج والتوزيع. فقد حذر مؤسس مايكروسوفت، بيل جيتس، الذي تنفق مؤسسته 250 مليون دولار للمساعدة في تحفيز تطوير اللقاح، من نقص حاد في مادة حيوية في إنتاج اللقاح، وهي الزجاج الطبي، الذي لا يمكن بدونه نقل ملايين الجرعات إلى المصابين.
وبالنظر إلى المخاطر، فليس من المستغرب أنه بينما يتحدث العلماء والأطباء عن إيجاد «لقاح عالمي»، فإن الزعماء السياسيين يؤكدون تحصين مواطنيهم أولاً. وقد حمل ترامب نفسه شخصياً مسؤولية توفير 300 مليون جرعة بحلول يناير المقبل.


تنافس على إنتاج اللقاح


بالنسبة لصانعي اللقاحات تعتبر سرعة الإنجاز الضمان الأساسي للربحية، أي توصيل اللقاح من المختبر إلى العيادة. وتستغرق اللقاحات عادةً من عشرة إلى خمسة عشر عاماً من البحث والاختبار. وقد وصل ستة في المئة فقط من المشاريع التي أطلقها العلماء حتى الآن إلى خط النهاية.
ومن وجهة نظر عالم واقع في قبضة الفيروس المميتة، لا أحد يريد الانتظار أربع سنوات للحصول على لقاح، بينما يموت الملايين والاقتصادات مشلولة تماماً. ويعد بعض المتنافسين الرئيسيين على إنتاج لقاح بأن ينتجوا الدُفعات الأولى في وقت قياسي، بحلول بداية العام المقبل.
ولا يزال التوتر بين أولئك الذين يعتقدون أن اللقاح يجب أن يذهب حيث تكون الحاجة إليه ماسّة، والذين يتعاملون مع الضغوط لتزويد بلادهم أولاً، إحدى السمات الرئيسية للاستجابة العالمية للوباء.
ويعمل العالم على تطوير أكثر من 90 لقاحاً بطرق مختلفة جذرياً. يعتمد بعضها على نسخ سابقة من اللقاحات المستخدمة في مكافحة الأوبئة، ويستخدم البعض الآخر استراتيجيات جديدة كلياً تعتمد على الجينات، لكنها لم تصل بعد إلى نتائج حاسمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"