كان «فيثاغورس» يرى في حياة التقشف عنواناً للحياة النقية، التي يمكن للروح من خلالها أن تتحرر من الجسد وتفوز بالخلود.
في حديث فيثاغورس عن الروح، ثمة بعد فلسفي وشعري عميق، ومثل هذه المقاربة التي شاركه فيها الكثير من العباقرة، تعيد التأكيد على دور الشعر في الحياة، ومن ينصت إلى قصائد الشعراء الكبار، فهو ينصت إلى الفلسفة، فهي بحسب بعض الآراء بدأت شعراً، في بحثها عن أصل الكون، والأشياء خاصة عند أولئك الطبيعيين الأوائل مثل: طاليس وهيراقليطس... الخ.
في الفلسفة، نتذكر نيتشه وأفكاره الجدلية، ومحاولته الدائمة للإجابة عن تساؤل مفاده: ما أهمية أن يتضمن الشعر الأفكار الفلسفية؟ وهل من الممكن أن تقدم الأفكار الفلسفية في إطار شعري؟
كما نتذكر مفردتي الشعر والفلسفة عند هايدجر، الذي يقول: «إن كل تفكير تأملي يكون شعراً، وإن كل شعر يكون بدوره نوعاً من التفكير».
أما في الشعر، فنستذكر بابلو نيرودا، هذا الشاعر الكبير الذي وصفه ماركيز بأنه من أفضل شعراء القرن العشرين.
ونتذكر أيضاً بايرون، الشاعر الإنجليزي الشهير، وأحد رواد الشعر الرومانسي، الذي حين انتشر خبر وفاته عمّ القارة العجوز حزن وحداد كبيران، وحينذاك كتب فيكتور هوجو: «حين أعلنوا خبر وفاة بايرون، شعرنا وكأنهم نزعوا جانباً من مستقبلنا»، كما كتب دويستوفسكي: «كانت البايرونية ظاهرة كبيرة وهائلة، تشكل ضرورة لحياة الشعب الأوروبي، وربما لحياة الإنسانية جمعاء، لقد ظهرت في لحظة من الحزن العميق، لحظة الخيبة واليأس، فقد تحطمت الرموز القديمة، لتظهر في تلك اللحظة عبقرية كبيرة وقوية. شاعر مشوق، أشعاره مرآة لحزن الإنسانية».
الموسيقى، بوصفها لحظة شعرية آسرة، هي بحث في فلسفة الجمال، وهي بحسب فيثاغورس، ترى أن الكون يتألف من التمازج بين العدد والنغم، وهي فلسفة لافتة، تشير إلى أن كل الموجودات تصدر عنها أصوات هي عبارة عن «نغم موسيقي» يملأ العالم، لكننا لا ندرك هذا النغم بأسماعنا ذلك أن السمع لا يدرك النغم إلا عندما يسبقه أو يتبعه سكون، وهذا النغم الموجود في العالم هو نغم مستمر، وما من إنسان على هذه الأرض قد أدرك السكون السابق على هذا النغم.
في الشعر وفي الفلسفة وفي الموسيقى، يحار المرء، ويدرك، ويتعلم، ويتوقع، ويتعظ، ويشعر بإنسانيته، في قوالبها، وفصولها المتحركة أو المتحولة، بين التاريخ والأسطورة، هي بمثابة بحث عن الحقيقة.
هي فلسفة الجمال والحكمة، التي يتم تعلمها بعمق لكي لا تنسى، وهي قوة اختزال الكلمات، وقوة العقل التي تبقيك بعيداً عن تشوّه العاطفة، وهي مدونة السفر المحمول على كتف الحكمة والمحبة والإخلاص والشجاعة.