الأسطورة تراث جمالي

04:19 صباحا
قراءة دقيقتين
عثمان حسن

من حسن حظ التفكير البشري أنه على نحو فطري ينزع إلى الخيال، بل وينزع إلى الأسطورة، ولولا هذا الخيال لما تطورت علوم الفلك والفيزياء والطب وكافة الاكتشافات والاختراعات البشرية.
والآداب على نحو خاص تطورت بفعل الأسطورة، وما دمنا بصدد الأسطورة، فإننا نتذكر الملاحم الكبرى في التاريخ، فها هو فيرجيل اللاتيني يكتب «الإنياذة» الخالدة، ويكتب الإنجليزي العظيم جون ميلتون «الفردوس المفقود»، وكل ذلك على وقع وبتأثير ملحمة الأوديسة التي كتبها هوميروس.
هي الأسطورة، بكامل بهائها وتجليها، ملهمة الأدب الشعر والمسرح، من رفعت متن الحوار، وشيدت تماثيل خالدة للقصائد، وأعادت تفسير التاريخ على نحو شعري، وقدمت وصفها الخاص لكثير من الحوادث.
والأسطورة على النحو الذي استقر في الملاحم الخالدة، أضافت الكثير للآداب، فعلى سبيل المثال، وفي الجزء الثاني من ملحمة «جلجامش» الخالدة، يدفع الأسى والحزن على موت إنكيدو بجلجامش إلى القيام برحلة طويلة، محفوفة بالمخاطر لاكتشاف سرّ الحياة الأبدية.
هي الأسطورة، حاضرة في النقش، وفي الألواح، في لغة أوغاريت، وأسطورة كنعان في الشرق القديم، كما هي حاضرة بعمقها الفلسفي في تلك القصص المقدسة عند قدماء المصريين.
هي إذاً، مدونة الإنسان البدائي، لكي يتمكن من استيعاب تاريخه، وسلوكه، وفهمه للكون، حضرت في المسرح بوصفه أصل الأجناس الأدبية، ووظفت في أساليب ومضامين عدة.
هي الأسطورة، حاضرة بشخصياتها وقصصها، التي تتحدث عن كثير من الظواهر الطبيعية، والظرفية والاستثنائية، التي سبق أن ذكرتها الفلسفة، ولا تزال إلى اليوم.
حضرت في المسرح، كما في «هيبوليتوس» ليوربيديس، لتناقش عبادات اليونان القديمة خاصة في أثينا، من خلال شخصية «هيبوليتي» المرأة الأمازونية التي تتنكر لجنسها وتتشبه بالرجال، لكنها في الأخير تعشق «ثيسيوس» بعد أن القت «أفروديت» سهام الحب في قلبها.
استخدم يوربيديس هذا البعد الأسطوري، بمستويات عدة لمعالجة الخطأ البشري، فيتأمل في مشاعر النفس، بغية الوصول إلى حياة فاضلة مفعمة بالخير والحب والاعتدال.
ثمة طاقة تخييلية هائلة في الأسطورة، ناقشت ثنائية الخير والشر، والعوالم السفلية، والكائنات الهائلة الجبارة، التي تبطش بالبشر.
هي سيرة مروية في القصائد، حائرة بين الفناء والخلود، والحزن والوجود، صالحة لكل زمان ومكان، برمزية من المعاني الحيوية، استفاد منها كتاب المسرح العالمي والعربي، في نصوصهم، فارتفعت بجملة من الأفكار، والشخصيات، والمواقف المتخيلة والواقعية.
حضرت اليوم في الحروب والكوارث، والصراعات الطبقية والاجتماعية، وحضرت في التكنولوجيا، وفي صورتها المشرعة على الفضاء الرقمي، الذي يعرض لصور مأساوية، ويتضمن في الوقت ذاته العديد من المشاهد المشرقة، بالألوان والموسيقى الغناء.
هي الأسطورة تراث جمالي ودلالي، في موضوعات الخصب، والحب، والزواج والآلهة والبشر، والحضارة، والسلطة، وجدلية الموت والحياة، وكافة الأسئلة المقلقة التي ترافق الوجود البشري.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وشاعر وصحفي أردني، عمل في الصحافة الأردنية / في القسم الثقافي بجريدة الدستور ، ويعمل اليوم محررا في جريدة الخليج الإماراتية / القسم الثقافي، صدرت له عدة كتب في الشعر بينها: "ظلال" ، وردة الهذيان / ، وكبرياء الصفة / ، كما صدر له كتاب في الإمارات بعنوان "محطات حوارية مع وجوه ثقافية إماراتية" .
له كتاب مترجم غير منشور/ قصائد عن الإنجليزية، نشرت بعض هذه القصائد في "ثقافة الدستور" وفي مواقع إلكترونية محكمة مثل موقع "جهة الشعر.
شارك في أماسي وملتقيات شعرية عربية كثيرة، وقد قدمت حول نتاجاته الأدبية الكثير من القراءات النقدية.
عضو رابطة الكتاب الأردنيين ، وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"