الركلة القاتلة

02:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
أبوظبي: آية الديب

منذ نعومة أظفاره وهو يحلم باليوم الذي يتم فيه عامه الثامن عشر، فهو يحب قيادة المركبات إلى حد الجنون، ووالده يشجعه على ذلك ويعرفه إلى أنواعها ومميزاتها، ووعده بشراء أي مركبة يريدها حينما يتم السن القانونية لاستخراج رخصة القيادة له، فهو من عائلة خليجية ميسورة الحال تعيش في الإمارات.
ولم يكن يخطر بباله أو ببال أبويه أن حبه للمركبات سيؤول به إلى وقوفه خلف القضبان متهماً بالقتل ليس نتيجة حادث مروري، فبعد أن كبر واستخرج رخصة القيادة أصبحت متعته هي التسابق مع الآخرين على الطريق ليشعر وكأنه أمهرهم ولا أحد يستطيع التحكم في المركبات مثله، وكان لا يكترث بأجهزة الرادار المنتشرة على الطرق لضبط مخالفي السرعات المحددة، فهو سائق ماهر يستطيع التحكم في مركبته كيفما شاء، وهو ينتمي لأسرة قادرة على دفع المخالفات التي كان يظن أنها موضوعة لقائدي المركبات محدودي المهارات، وبينما كان متجهاً إلى إمارة أخرى لمقابلة أحد أصدقائه لفتت انتباهه مركبة مسرعة على يسار الطريق، وشعر بوجود منافسة ومغامرة جديدة لابد أن يكون هو الفائز فيها، وكانت المركبة المسرعة التي تتخذ يسار الطريق مساراً لها لشاب من مواطني الدولة يسرع للاطمئنان على زوجته التي احتجزت في المستشفى فجأة لولادتها المبكرة، إلا أن الشاب الخليجي كان يعتبر سائق هذه المركبة المنافس الوحيد له، ولابد أن ينتصرعليه، وشرع في ملاحقته في جميع الاتجاهات ما أثر في انسيابية الحركة على الطريق، وعندما خابت كل محاولات الشاب المواطن للتخلص من ملاحقة الشاب الخليجي له قرر تخفيض سرعته دقائق حتى تسرع هذه المركبة كيفما تشاء ثم يعود لمواصلة القيادة في طريقه إلا أن الشاب الخليجي هدأ من سرعته أيضاً معتقداً أن منافسه ربما تعب أو يريد مفاجأته بالسرعة مجدداً، وظل يلحقه يميناً ويساراً إلى أن تصادمت المركبتان، فتوقف كلاهما على جانب الطريق، وما إن نزل الشاب المواطن حتى صفعه الآخر وهمس في أذنه قائلاً: سأعفو عنك شرط الاعتذار عن منافستي على الطريق.
كلمات الشاب الخليجي زادت الشاب المواطن غضباً فوق غضبه وتوتره لتأخره على زوجته فاتهمه بالجنون، وعندها ركله الخليجي بقدمه في رأسه ركلة تأديب وتهذيب كما ظن، إلا أنها كانت ركلة الموت، فبعد أن سقط الشاب نتيجة الركلة حاول النهوض بكل قوته، لكنه عجز عن ذلك وأغشي عليه، فقال له الشاب الخليجي: كنت تظن أنك أمهر مني وستتفوق علي وهذا هو جزاؤك، وتركه ملقى على جانب الطريق وغادر لاستكمال مشواره.
فرحة استقبال مولود جديد في عائلة الشاب المواطن تحولت إلى مأتم عظيم بكى فيه كل من سمع بالواقعة، وعرف الرضيع اليتم بعد دقائق قليلة من خروجه إلى الدنيا، فموت الأب على الطريق ركلاً بقدم آخر لا نتيجة حادث زاد الأهل ألماً فوق ألمهم.
أسندت النيابة العامة إلى المتهم تهمة قتل المجني عليه عمداً، وأمام محكمة جنايات أبوظبي قال المحامي الموكل للدفاع عن المتهم إن ركلة المتهم للضحية ليست سبب وفاته فربما كان وراءها سبب آخر، وأن المستشفى المعالج لحالته ربما لم يتخذ الإجراءات اللازمة لإسعاف المصاب، مشيراً إلى أن كل ما فعله موكله مجرد ركلة خلال مشاجرة بين شابين، واستمعت المحكمة إلى شهادة الطبيبة الشرعية بعد أدائها اليمين القانونية فأرجعت الوفاة إلى كسور في الجمجمة، مبينة أن توقف وظائف القلب والرئتين جاء نتيجة طبيعية للإصابة التي تعرض لها المجني عليه في منطقة الرأس، وأكدت خلال شهادتها أن الإصابة التي أدت إلى وفاة المجني عليه كانت في الجهة اليمنى من الرأس بسبب ضربة مباشرة كانت عبارة عن ركلة في منطقة الرأس نتجت عنها إصابات مختلفة، حينها أدرك المحامي ووالد المتهم أن الدفاع بأن موت المجني عليه ليس نتيجة ضربة المتهم لن يجدي نفعاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"