مفاجآت قيس سعيِّد

03:05 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

فجّر الرئيس التونسي قيس سعيّد في ذكرى عيد الجمهورية، واحدة من مفاجآته بأن كلف وزير الداخلية الحالي هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديدة خلال مدة لا تزيد على 30 يوماً، أو الإعلان عن حل البرلمان والتوجه إلى انتخابات مبكرة، بما يضع الأحزاب المتصارعة في البرلمان أمام خيارات صعبة، فإما القبول صاغرة بالإرادة الرئاسية أو مواجهة المجهول.

أغلب الأحزاب الحالية وفي صدارتها حركة «النهضة»، في صدمة لا تحسد عليها، بعدما ألقى قيس سعيّد قائمة مرشحيها لرئاسة الحكومة في سلة المهملات أو هكذا يبدو واختار رجلاً يراه الأكفأ والأقدر لمواجهة مهمة صعبة، متسلحاً بسيرته التي تشهد بأنه مستقل فعلاً عن جميع الأحزاب، ولا تُكنّ له «النهضة» وتوابعها أي ود، وتخشى من أن يتجه إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية ويتركها على الهامش. وهذا هو الأنفع حتى يترك للأحزاب المجال واسعاً لمواصلة الاحتراب السياسي داخل قبة البرلمان وخارجه.

ومن علامات سقوط الطبقة السياسية حين تصبح في عيون شعبها مدعاة للسخرية وحتى التسلي، وهذا ما كان يحصل في البرلمان التونسي، مما يُفقده شرعيته وكفاءته في القيام بدوره كمؤسسة فاعلة تعمل على خدمة الناخبين وليس مصلحة المنتخبين كما هو واقع الحال.

بقراره تكليف المشيشي، يكون الرئيس سعيّد قد انحاز إلى الأغلبية الساحقة من التونسيين التي لا تثق في الأحزاب السائدة، وتراها عبئاً على مؤسسات الدولة، وخطابها منافق ومفارق للواقع، مما ضيع على البلاد ثمانية أشهر بالتمام دون أن يتم التوافق على حكومة مستقرة، تستطيع العمل في بيئة سياسية ناضجة ومسؤولة. وإذا فشلت هذه المحاولة الأخيرة فسيكون لزاماً على الرئيس حل البرلمان والتوجه إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، يؤمل أن تُحدث تغييراً فعلياً يقود إلى تعديل الدستور عبر استفتاء شعبي عام، وهو ما ينوي فعله قيس سعيّد وسيحققه على الأرجح مدعوماً بالقاعدة العريضة التي انتخبته نهاية العام الماضي، وما يؤكد ذلك قوله في خطاب تكليف المشيشي: «نحترم الشرعية، لكن آن الأوان لمراجعتها حتى تكون بدورها تعبيراً صادقاً وكاملاً عن إرادة الأغلبية».

وللأمانة، فإن البرلمان الحالي لا يعبر عن أغلبية التونسيين؛ إذ لم يصوت في الاقتراع التشريعي الماضي إلا ربع من يحق لهم الانتخاب، بينما أعرض ثلاثة أرباع الناخبين عن التصويت، وهذه الأغلبية الحقيقية التي يقصدها قيس سعيّد ويراهن عليها أن تتحرك إذا تم الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

ربما سيكتشف التونسيون أن يوم عيد الجمهورية 2020 كان واحداً من أيام التاريخ، فقبل عام فقدوا الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وقبل سبع سنوات اغتيل القيادي الوطني محمد البراهمي. ومن هذا التاريخ أيضاً، يمكن أن يتغير وجه تونس وتبدأ المفاجآت الحقيقية لإنهاء الحالة السياسية المرضية، وهذا الأمر يمكن أن يتحقق ليس بالأحزاب الحالية، وإنما بالرهان على الشعب التونسي ورئيسه قيس سعيّد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"