سياسة الخداع الأمريكية

03:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

كل ما تقوم به الولايات المتحدة، من خطوات حيال الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، يثبت ومن دون أدنى عناء، أنها ليست فقط غير معنية بحل سلمي لهذا الصراع، وإنما شريك فعلي للاحتلال في جرائمه بحق العرب عامة والشعب الفلسطيني بشكل خاص، والدليل القاطع على ذلك هو التاريخ المشين للسياسة الأمريكية، تجاه القضية الفلسطينية، منذ إقامة المشروع الصهيوني في فلسطين عام 1948، وحتى يومنا هذا؛ إذ لم يصدف ولو مرة واحدة أن وقفت الولايات المتحدة على الحياد، بالنسبة لطرفي الصراع، ولو حتى لفظياً، كما أن من يسعى إلى السلام بين متصارعين، لا يمكن أن يسلح طرفاً حتى أسنانه، ويسعى إلى تجريد الطرف الآخر، من أبسط وسائل القوة التي تمكنه من الدفاع المشروع عن نفسه، الأمر الذي يؤكد أن أمريكا تمارس خداعاً سياسياً، بات مكشوفاً للعالم بأسره.
ما قادنا إلى هذه المقدمة في الواقع هو ما كشفت عنه وسائل الإعلام مؤخراً، حول موافقة أغلبية أعضاء الكونجرس، على مشروع التمويل الهائل ل«إسرائيل» تحت ما سمي ب«قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي»، والذي تقدر قيمته بنحو أربعين مليار دولار تقدم على مدى عشر سنوات، ويشمل مساعدات مالية وعسكرية.
وأشاد اللوبي اليهودي من خلال منظمة «إيباك» بمجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين؛ لتمريرهما مشروع المساعدات العسكرية ل«إسرائيل»، زاعماً أن هذه المساعدات ستمكن «إسرائيل» من حماية نفسها من التهديدات الأمنية المستمرة على حد تعبير «إيباك».
وكان التمويل الأمريكي الهائل الذي يعتبر أكبر حزمة تمويل أمريكية لدولة واحدة، قد مرر بهدوء رغم وجود دعوات لإجراء تخفيضات من مجموعة صغيرة من النواب الليبراليين والتقدميين في الحزب الديمقراطي، الذين يقولون إنه يجب استخدام تلك المساعدات كوسيلة ضغط على «إسرائيل» لثنيها عن عمليات الضم المستمر للأراضي الفلسطينية المحتلة، وتغيير سلوكها في قمع الفلسطينيين.
والحقيقة أن الدعم الأمريكي هذا يأتي في وقت تتبجح فيه واشنطن بسعيها لإيجاد حل للصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، من خلال ما تسميه «صفقة القرن»، والتي لا تعدو كونها محاولة أمريكية لشرعنة الاحتلال «الإسرائيلي»، وتشجيعه على المضي قدماً في سياساته العدوانية.
قدمت الولايات المتحدة ل«إسرائيل» أكثر من 23 مليار دولار منذ عام 1949 على شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية، عدا حزمة المساعدات الأخيرة التي تعد الأكبر في تاريخ المساعدات الأمريكية لها. كما أن وزارة الدفاع الأمريكية تعتبر مورداً رئيسياً للأموال والمعدات والتدريبات المقدَّمة «لإسرائيل» خارج نطاق ميزانية المساعدات الخارجية المنتظمة.
وتتلقّى «إسرائيل» المساعدات من الولايات المتحدة بطريقة ودية فريدة، فلا تطبق عليها العديد من الفوائد التي يرعاها الكونجرس على أي بلد متلقٍّ آخر في العالم.
ويأتي الإعلان عن موافقة الكونجرس، على مشروع التمويل الهائل ل«إسرائيل»، في وقت لم يتوصل فيه المسؤولون الأمريكيون في البيت الأبيض إلى قرار نهائي بخصوص إقرار «إسرائيل» خطط الضم التي تقوم بها لأجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية، رغم المشاورات التي يقوم بها أكبر شخصيات في الإدارة الأمريكية لتنفيذ «صفقة القرن» التي يسمونها «خطة السلام»، كما يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه إدارة الرئيس ترامب انقساماً، بوجود فريقين الأول يريد أن يعطي «إسرائيل» الضوء الأخضر لضم 30 في المئة من الضفة الغربية، والفريق الثاني يسعى إلى عدم بث الحماسة وحث «إسرائيل» على التحفظ بسبب ما يمكن أن تثيره هذه الخطوة من قلاقل وعدم للاستقرار بل وعنف، في ظل التحديات الانتخابية التي يواجهها الرئيس ترامب في الولايات المتحدة.
أخيراً يمكن القول إن المساعدات العسكرية الهائلة التي تقدمها واشنطن للاحتلال ، سوف تشجعه على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وتساعده في عمليات التوسع والتهويد، لكنها لن تستطيع بالتأكيد إلغاء الحق الفلسطيني، والتاريخ شاهد على الكثير من الأمثلة المشابهة؛ حيث فشلت الولايات المتحدة نفسها في فرض إرادتها على الشعب الفيتنامي، كما فشل المستعمر الفرنسي قبلها في فرض إرادته على الشعب الجزائري، والشعب الفلسطيني الذي يقارع الحركة الصهيونية، منذ أكثر من مئة عام، لن تثنيه صفقات الأسلحة الأمريكية عن مواصلة كفاحه المشروع لاستعادة وطنه السليب وحقوقه المشروعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"