أمريكا والسيادة الأوروبية

03:25 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

يأتي قرار الجيش الأمريكي بسحب نحو ثلث قواته المنتشرة في ألمانيا، ليضيف شرخاً جديداً بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وحلفاء الولايات المتحدة التقليديين، خصوصاً الأوروبيين منهم، كما يدفع بتساؤلات مبكرة عن مصير هذه العلاقات التي عمرت عقوداً من الزمن، ورسمت جزءاً مهماً من خريطة العالم، بعد الحرب العالمية الثانية.
ربما كان ترامب يعتقد بأن اتخاذ هذا القرار سيوجع برلين، ويجعلها تسارع إلى استرضائه بدفع مزيد من الأموال كما يطلب؛ لكن رد فعل الأولى جاء بعكس ذلك، فقد قال وزير الدولة لشؤون أوروبا في وزارة الخارجية الألمانية: «يجب ألا نتذمر ونتحسر الآن؛ لكن علينا إدراك الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية على أنها ناقوس إنذار، وفرصة؛ لتعزيز سيادتنا الأوروبية»، قبل أن يعبر صراحة أن الوقت حان لأوروبا كي تقف على أقدامها، وتعزز دورها في العالم، وهو موقف ينسجم مع وعي يتمدد في «القارة العجوز» منذ أن دخل ترامب إلى البيت الأبيض، ويرمي إلى بناء نظام أمني مستقل عن الأمريكيين، وإقامة علاقات حسنة وتعاون مع القوى الكبرى مثل: روسيا والصين، بعيداً عن أجندة واشنطن التي تقوم على «صناعة الخصوم» سبيلاً لتعزيز نفوذها العالمي.
قبل أن يصل ترامب إلى البيت الأبيض، بدأ الأوروبيون يقتنعون بأن رياح التغيير الكبير بدأت تهب على الوضع العالمي من أكثر من اتجاه، وبدأت هذه القناعة تترسخ بعد تصويت البريطانيين في استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وهناك من توقع مبكراً تقلباً في السياسة الأمريكية، وهو ما تجسد واقعاً مع إدارة ترامب، لتنقلب المعادلة التاريخية، وتصبح العلاقة بين الطرفين أقرب إلى التنافس منها إلى الصداقة والتعاون. ويبدو أن كل محاولات رأب الصدع قد فشلت، وبدأت الدول الأوروبية تضيق ذرعاً من سياسة الابتزاز الأمريكية التي تجاوزت كل الحدود، على الرغم من أن بعض المطلعين يؤكدون أنها حالة ليست مستغربة، وتنسجم مع السيرورة التاريخية التي تأبى الثبات، فالعالم الذي جرت هندسته بعد هزيمة النازية منتصف أربعينات القرن الماضي لن يدوم إلى الأبد، خصوصاً بعد أن سقط الاتحاد السوفييتي، وصعدت إلى القمة القوة الصينية الجبارة.
الأوروبيون، وفي صدارتهم الألمان، أصبحوا على ثقة بأن حفظ أمن القارة كلها لن تنهض به القواعد الأمريكية المدججة بالأسلحة والجنود، وإنما بفتح جسور الحوار وتأمين المصالح مع القوى الأخرى، لا سيما موسكو وبكين. أما الحديث عن تهديد روسي لأوروبا، فهو تعبير عن معادلة قديمة لم تعد تعبر عن هذا العصر. ولكن واشنطن تتعمد إحياءها كلما ماتت حتى لا تفقد سطوتها وحضورها، وهو ما يفعله وزير الخارجية مايك بومبيو الذي لا يكل عن التحذير من خطر قادم من الشرق، تارة من روسيا وطوراً من الصين، ويبدو أن ذلك لا يجد صدى؛ لأن الأوروبيين ينظرون إلى العالم بمعايير مختلفة وبمناظير غير أمريكية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"