عودة الفلسفة

04:48 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى العلوم الإنسانية كقاعدة تأسيسية، تنبه لهذه الفكرة الفيلسوفة الأمريكية مارثا نوسباوم، في كتابها «ليس للربح»، فتقول: «في كل أمم العالم فعلياً، يتم اقتطاع الإنسانيات والفنون في كلتا مرحلتي التعليم الأولية، والجامعية، وينظر إليهما صناع السياسية كرتوش لا فائدة منها، وفي وقت يجب على الأمم الاستغناء عن كل ما ليس له قيمة لتبقى في مجال تنافسي داخل السوق العالمية، تتم خسارة مكانهما في المنهج، وفي عقول وقلوب الأهالي والأطفال أيضاً»، فأزمة الفلسفة لا تقتصر على التدريس، بل والإنتاج كذلك ، فنحن نشهد تراجعاً كبيراً في هذا الميدان كما أن كل ما يطرح - في معظمه اجترار لجدليات قديمة، وتلك ليست قضية المنطقة العربية وحسب، بل هي قضية عالمية تتمثل في تآكل الأطر التقليدية وتراجع المعنى لمصلحة الثورة البصرية، ما همش «اختصاصات المعنى القديم»، وهي الآداب، والفلسفة، والفن، والتاريخ.
في الإمارات نبتهج بقرار وزارة التربية والتعليم تضمين المناهج الدراسية مادة الفلسفة في الحلقة الثالثة، بدءاً من العام القادم ، بعد أن ألغيت في أواخر تسعينات القرن المنصرم، حيث كانت تدرس مواد مثل مهارات التفكير الفلسفي، والمنطقي، والإبداعي، وهي المهارات التي يثبت العصر حاجتنا الملحة إليها عبر مراحل تطورنا الذاتي طوال حياتنا، ومن خلال مستويات عدة تتناسب والنمو الذهني، والعاطفي، والاجتماعي للأفراد، وتحفز هذه العودة التي ستركز على القيم والمعرفة والوجود ضرورات كثيرة أبرزها محاربة العنف، والتطرف، والأحكام المطلقة، والعنصرية، وتنشئة أبنائنا على رفض ما يتم فرضه على العقل كمسلمات دخيلة على الفطرة، والمجتمع، ومساءلة القضايا المختلفة التي تمس خياراتهم ومستقبلهم، إضافة إلى إشباع حاجات عقولهم لطرح الأسئلة الصعبة حول الذات، والكون، والوجود.
التساؤلات حول هذه الخطوة المهمة كثيرة، وأبرزها حول الكيفية التي سيتم فيها تصميم هذه المناهج، وأسلوب الطرح والمعالجة، وعن مقدم المنهج نفسه، وهو المعلم الذي سيحمل على عاتقه هذه المسؤولية الكبيرة التي لا تقتصر على نقل المعرفة الفلسفية، بل تسخيرها لتساهم في تحسين حياة الفرد الذي يصارع ضد التهميش الكوني، والعزلة التي فرضها صناع المنصات الحديثة ، والأهم من ذلك كله تعليم الفرد كيفية طرح الأسئلة الصحيحة، والمضي في بحث لا يتوقف عند الإجابات التي لا نريدها معلبة وفي متناول الجيل الجديد، بل مثيرة للطموح، ومحفزة للحلم، وبانية للشخصية الصالحة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"