نتنياهو يستبعد حل الحكومة

04:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

فاجأ بنيامين نتنياهو مؤيديه قبل معارضيه بإعلانه أنه «يجب بذل كل الجهود لتجنب اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة»، ولم يكتف نتنياهو بذلك، لكنه، حسب موقع صحيفة «معاريف» أعطى الأولوية لخيار «دعم استقرار الحكومة». خيار «الانتخابات المبكرة» بما يتضمن حل الحكومة كان سلاح نتنياهو لابتزاز شريكه في الحكم بيني جانتس وزير الحرب رئيس حزب (أزرق- أبيض) لإرغامه على الموافقة على ما يريده من إقرار موازنة عامة للدولة لعام واحد فقط، أي لعام 2020، بدلاً من تمسكه وحزب «كحول - لافان» بضرورة إقرار الموازنة لمدة عامين. تمسك جانتس وحزبه بإقرار الموازنة لمدة عامين سببه أن تبني خيار نتنياهو، أي إقرار الموازنة لعام 2020 فقط يعني أن أجل انتهاء هذه الموازنة سيكون في حدود شهر سبتمبر/ أيلول المقبل فقط، وعندما يحين موعد تمرير موازنة 2021 يتم إفشال هذه الخطوة من جانب نتنياهو وحزب «الليكود»، ومن ثم حل الكنيست والإعلان عن انتخابات جديدة، ما يعني الإبقاء على نتنياهو في منصب رئيس الحكومة لحين إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة، بما يؤكد تنصل نتنياهو من البند المحوري في اتفاق الائتلاف الحكومي الذي يقضي بأن يتناوب نتنياهو وجانتس على رئاسة الحكومة لمدة 18 شهراً لكل منهما، على أن يبدأ نتنياهو أولاً، وفي حال حل الحكومة خلال ال 9 شهور الأولى من عمرها سيبقى نتنياهو على رأسها لحين إجراء الانتخابات المبكرة التي تؤكد معظم الاستطلاعات أن جانتس سيكون، حتماً، الخاسر الأكبر فيها، وأن نتنياهو يطمح في أن يحقق نتائج في هذه الانتخابات تمكنه من تشكيل حكومة يمينية خالصة، أو على الأقل التحالف مع أحزاب صغيرة تجعله صاحب الكلمة الأولى دون منافس، اعتماداً على اعتقاده، الذى لم يتحقق، وهو أنه سيخوض هذه الانتخابات بعد أن يكون قد حقق أهم تعهداته ل «الإسرائيليين» ويعني تنفيذ قرار ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية وغور الأردن.
نتنياهو كان قد هدد في 3 يوليو/ تموز الفائت بالتوجه إلى انتخابات مبكرة في حال عارض حزب «كحول- لافان» تمرير الموازنة. ووفق القناة 12 العبرية قال نتنياهو «سنمرر الموازنة خلال أسبوع، وإذا عارضها حزب «كحول- لافان» سنتوجه إلى انتخابات مبكرة»، لذلك يجدر التساؤل عن الأسباب التي دفعت نتنياهو إلى التراجع عن هذا التهديد؟ وهل يمكن أن يؤدي هذا التراجع إلى تخلي نتنياهو ومعه حزب «الليكود» عن قرار التخلص من عبء جانتس وحزبه والسعي إلى تشكيل حكومة جديدة خالية من هؤلاء الشركاء المقلقين؟ أم أنه مجرد تراجع تكتيكي؟ وهل يدرك جانتس حقيقة ما يدبر له؟
توجد أسباب كثيرة فرضت على نتنياهو التراجع عن خيار تفكيك التحالف الحكومي والذهاب إلى انتخابات عامة مبكرة، ويمكن تحديد ثلاثة أسباب تُعد الأكثر أهمية في هذا التراجع، الذي ربما يكون مؤقتاً، عن خيار الانتخابات المبكرة.
أول هذه الأسباب الصدمة التي تلقاها نتنياهو من الإدارة الأمريكية بالتوقف عن دعم خيار «فرض السيادة «الإسرائيلية» على الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية بإرادة منفردة دون شرط الاتفاق مع السلطة الفلسطينية، كما تقول خطة ترامب». فحسب صحيفة «جيروزاليم بوست» (11/8/2020) حمَّل نتنياهو الولايات المتحدة مسؤولية عدم تنفيذه الخطة، ونقلت عنه قوله في مقابلة تلفزيونية «كان واضحاً من البداية أن تطبيق السيادة لن يتم إلا بالاتفاق مع الولايات المتحدة، ولولا ذلك لكنت فعلتها منذ فترة». وقال نتنياهو إن «الرئيس الأمريكي مشغول حالياً بأمور أخرى».
التراجع الأمريكي عن دعم خطة نتنياهو بفرض السيادة «الإسرائيلية» على الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، أفقده أهم أوراقه في الصراع مع بيني جانتس وشريكه في حزب «كحول - لافان» جابي أشكنازى وزير الخارجية، حيث كانت تحفظات الاثنين على رغبة نتنياهو بالضم الكامل والفوري للمستوطنات بدلاً من الضم التدريجي والبطيء الذي يفضلانه من أبرز أسباب الخلاف داخل التحالف الحاكم، كما أن الموقف الأمريكي أفقد نتنياهو ما كان يطمح في تحقيقه من نجاح سياسي يمكن أن يؤمِّن له فوزاً كبيراً في الانتخابات المبكرة إذا تقرر إجراؤها.
لم يعد في مقدور نتنياهو أن يراهن بعد ذلك على فوز كبير في الانتخابات لذلك كان التراجع المؤقت عن قرار التبكير بها.
ثاني هذه الأسباب تهديد الحريديين، شركاء نتنياهو بتفكيك تحالف «كتلة اليمين» إذا ذهب لانتخابات مبكرة. فقد هددت بذلك كتلة «يهدوت هتوراة» الحريدية، وذلك على خلفية رفضها المطلق لخيار «الانتخابات المبكرة».
أما السبب الثالث فيرجع إلى إعلان كتلة «هناك مستقبل» (ييش عتيد- تيلم) المعارضة، عزمها على طرح مشروع قانون على الكنيست يمنع أي متهم بأعمال جنائية من تشكيل حكومة، في إشارة إلى شخص نتنياهو حيث تنظر المحكمة المركزية «الإسرائيلية» في لائحة اتهام موجهة ضده تتضمن تهم الاحتيال وإساءة الثقة (خيانة الأمانة) والرشوة. توجه الكنيست لمناقشة هذا المشروع الذي يهدد مستقبل نتنياهو يفرض عليه التمسك أكثر من غيره بالتحالف الحكومي مع حزب «كحول - لافان». ولعل هذا ما يفسر خلفيات الأنباء التي تحدثت يوم الأحد الفائت عن توصل حزبي الليكود و«كحول - لافان» إلى حل وسط بتأجيل عرض الميزانية لمدة 3 أشهر.
وربما يكون هذا الحل الوسط مخرجاً أمام نتنياهو لتجميد عزمه على حل الحكومة إلى حين تتهيأ الفرص مجدداً لفرض خيار الانتخابات المبكرة، ما يعني أن الأزمة الحكومية، في طريقها لتتحول إلى أزمة سياسية داخل كيان الاحتلال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"