الجــائحـــة وتغـييــر أنمـــاط الاســـتهــلاك

01:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي *

يواجه العالم أزمة اقتصادية حقيقية؛ بسبب جائحة فيروس كوفيد 19، نتج عنها حدوث ركود اقتصادي عالمي، وانخفاض حاد في الصادرات وتقلص حجم التجارة. وتوقع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالفعل حدوث توقعات سيئة للاقتصاد والتجارة العالميين، ولتعزيز الصادرات البطيئة؛ تحاول كافة الدولة المصدرة استكشاف أسواق التصدير الاستراتيجية، وتنمية عناصر التصدير الواعدة. ومن هنا تشير معاهد الدراسات الكبرى إلى ظهور الأسواق الجديدة التي أحدثتها الجائحة، والتي أدت إلى تغييرات في أنماط الاستهلاك في خمسة مجالات؛ وهي:
( 1 ) الرعاية الصحية، وتشمل: العلاج والوقاية من الأمراض، إضافة إلى الإدارة الصحية وكمثال - في أعقاب أزمة جائحة فيروس كوفيد 19؛ أظهرت الصين اهتماماً أكبر بالطب عن بُعد. ومن المتوقع أن يصل حجم سوق العلاج عن بُعد في الصين إلى 94.8 مليار يوان، أي نحو 13.2 مليار دولار في عام 2025.
وبلغت صادرات كوريا الجنوبية من مطهرات اليد في مارس/آذار الماضي 5.69 مليون دولار بزيادة 604% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي 2019. وبلغ حجم شحنات مجموعات التشخيص للفيروس التاجي في مارس 48.65 مليون دولار بارتفاع 117% على أساس سنوي.
وإذا تمكنت دولة أو عدة دول من تطوير أدوية ولقاحات لفيروس كورونا المستجد؛ فسوف تتمكن من خلق محرك نمو جديد في المجال الحيوي والصحي.
( 2 ) الإنترنت؛ حيث أدى البقاء في المنازل إلى زيادة الأنشطة المختلفة عبر الإنترنت. وفي الولايات المتحدة الأمريكية ارتفع الطلب على منتجات المكاتب المنزلية، بما يتماشى مع العدد المتزايد من الأشخاص الذين يعملون من المنازل؛ حيث شهدت أكبر 80 شركة تجارة إلكترونية في الولايات المتحدة ارتفاعاً في مبيعاتها من أجهزة الكمبيوتر بنسبة 40%، مقارنة بالفترة التي سبقت تفشي جائحة الفيروس كوفيد 19.
( 3 ) الخدمات غير المباشرة (تعني أنه ليس من الضروري أن يلتقي المستهلكون ومقدمو الخدمات وجهاً لوجه). في الولايات المتحدة في أعقاب تفشي الجائحة، استمر التوسع في سوق الخدمات غير المباشرة مع زيادة الطلبات عبر الإنترنت وزيادة طلبات توصيل الطعام. إن الطلب المتزايد على التسليم غير المباشر؛ يعني وجود فرصة عمل لخدمات التوصيل باستخدام المركبات ذاتية القيادة والطائرات بدون طيار والروبوتات.
( 4 ) البنية التحتية الذكية التي تجمع بين البنية التحتية الرقمية والبنية التحتية المادية الموجودة حالياً، مما يسمح بإدارة أكثر كفاءة للمدن. وتعمل الاقتصادات الكبرى والناهضة على توسيع البنية التحتية الذكية، وتعزيز أتمتة العمل. وقررت الصين ضخ استثمارات في البنية التحتية؛ لتعويض التأثيرات الاقتصادية لجائحة فيروس كوفيد-19. وفي مارس/آذار الماضي أعلنت الصين أنها ستستثمر في سبعة مجالات للبنية التحتية الجديدة، وهي: شبكات الجيل الخامس، ومرافق الإرسال عالية الجهد، وأنظمة السكك الحديدية داخل المدن، ومحطات شحن المركبات الكهربائية، ومراكز البيانات، والذكاء الاصطناعي، والإنترنت الصناعي.
( 5 ) الاقتصاد المنزلي، (مزيج من إدارة المنزل وإدارة الحالة الاقتصادية؛ وهو متعلق بالأشخاص الذين يفضلون قضاء الوقت في المنزل). وفي شهري فبراير/شباط ومارس/آذار عندما انتشر فيروس كوفيد 19 في جميع أنحاء العالم، شهدت الدول المصدرة، زيادة كبيرة في صادراتها من الأجهزة المنزلية والضروريات اليومية والأغذية المصنعة. كما نمت أسواق التعليم ورعاية الأطفال بشكل ملحوظ. وفي الولايات المتحدة الأمريكية يتجنب المزيد من الناس الصالات الرياضية، ويختارون ممارسة الرياضة في المنازل بدلاً من ذلك، وقد زاد استخدام برامج التمارين الرياضية المنزلية الشهيرة بأكثر من 79% مقارنة بالعام الماضي.
ويقول الخبراء في معاهد الدراسات الكبرى: إنه من الضروري الاستفادة من هذه الأسواق الخمسة بقوة، بعد أن تنحسر جائحة فيروس كوفيد-19، كما يشيرون أيضاً إلى أن عناصر التصدير الواعدة، قد تختلف حسب كل منطقة من مناطق العالم. وتركز تلك المعاهد الدراسية على ما يسمى ظاهرة «الاستهلاك التعويضي» أو «الاستهلاك المؤجل»؛ حيث يمتنع الناس عن الاستهلاك في أوقات الشدائد، ولكن عندما تتحسن الأوضاع، فإنهم يميلون إلى الإنفاق بقدر ما ادخروا، من أجل منح أنفسهم تعويضاً. على سبيل المثال حقق متجر للعلامات التجارية الفاخرة في مدينة «كوانغ تشو» الصينية مبيعات بقيمة 2.7 مليون دولار في يوم واحد، كما تم بيع 288 شقة في مقاطعة «كوانغ دونغ» خلال سبع دقائق. في حين تم بيع 14 تاون هاوس باهظة الثمن بسعر 6.6 مليون دولار لكل منها في 8 ثوان فقط. ويأمل الكثيرون في أن يؤدي الاستهلاك التعويضي في الصين إلى انتعاش الإنفاق في أجزاء أخرى من العالم.

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"