هموم الكاظمي في واشنطن

02:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

نجحت تركيا في أن تفرض نفسها طرفاً ثالثاً صعباً على أجندة الزيارة المرتقبة التي يقوم بها رئيس الوزراء العراقي إلى واشنطن. قبل أسابيع، وربما قبل أيام، كانت أجندة الكاظمي لهذا اللقاء مشحونة بالبنود الساخنة التي تعكس وتعبر عن عمق الأزمات التي يعيشها العراق، خاصة الأزمة الاقتصادية الخانقة، وانعكاساتها الاجتماعية، والسياسية، وأزمة فيروس كورونا، لكن كان يأتي في مقدمة هذه الأجندة أزمتان تتصدرانها، الأولى أزمة الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وهو الوجود الذي تحول من داعم للأمن والاستقرار والتصدي لخطر تنظيم «داعش»، إلى مصدر للتهديد بعد الاغتيال الأمريكي لقائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني، وما أعقبه من صدور قرار من البرلمان العراقي يقضي بإنهاء الوجود الأجنبي في العراق، كردّ على هذا الاغتيال، تحول إلى ورقة ضغط كبيرة على حكومة الكاظمي تأكد ثقلها في الزيارة التي قام بها إلى العاصمة الإيرانية ضمن جولته الأولى إلى الخارج التي خطط لها لتضم ثلاث دول مفصلية بالنسبة للعراق: إيران، والولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية. وإذا كانت حكومة عادل عبدالمهدي المستقيلة قد بلورت آلية «حوار استراتيجي» بين العراق والولايات المتحدة، نفذتها حكومة مصطفى الكاظمي التي أبدت ميلاً إلى خيار «تنظيم» الوجود العسكري الأمريكي في العراق، بدلاً من خيار «إبعاد» هذا الوجود في الجولة الأولى لهذا الحوار التي جرت في العراق فى يونيو/ حزيران الماضي، فإن الكاظمي، وبعد زيارته لطهران، يجد نفسه في مأزق الاستمرار في خيار «تنظيم» الوجود العسكري الأمريكي، أو خيار «إنهاء» هذا الوجود، وهذه هي الأزمة الساخنة الأولى التي ستتصدر جدول زيارة الكاظمي.
أما الأزمة الثانية، فهي أزمة العلاقات العراقية مع إيران من المنظور الأمريكي. فواشنطن إذا قبلت الرحيل عن العراق فهي تريده رحيلاً كاملاً، لكل الوجود والنفوذ الأجنبي، خاصة الإيراني، لكن الوجود التركي العسكري في العراق تحول هو الآخر إلى أزمة في الأسابيع الأخيرة، بعد أن اضطرت الحكومة العراقية إلى أن تفصح عن رفضها لهذا الوجود العسكري، واضطرت إلى نفي وجود وتنسيق عراقي- تركي بخصوص هذا الوجود، وبخصوص الضربات التي تقوم بها القوات التركية في شمال العراق، خصوصاً بعد الاجتياحين التركيين الأخيرين الأول أخذ اسم «مخلب النسر» في 15 يونيو/ حزيران الماضي، والثاني في 17 يونيو/ حزيران الماضي وأخذ اسم «مخلب النمر».
قبل هذين الاجتياحين لم يكن الوجود العسكري التركي يشكل ورقة ضغط على الحكومة العراقية، خصوصاً أن هناك أطرافاً عراقية خاصة في أوساط العرب السُنة والأكراد، متعاطفون مع الوجود العسكري والنفوذ السياسي التركيين، كما هم متعاطفون، وربما مؤيدون، للوجود العسكري الأمريكي باعتبارهما ضروريين لموازنة الوجود والنفوذ العسكري والسياسي الإيراني. كما أن حجم المصالح الضخمة بين إقليم كردستان العراق وتركيا كان يعطي هو الآخر ضوءاً أخضر للتمدد العسكري التركي، وترتب على ذلك، وبعد عملية «مخلب النمر» أصبح لتركيا 37 موقعاً داخل الحدود العراقية، ما بين نقاط وقواعد عسكرية، وبعمق يصل ما بين 25 - 30كم، وبلغ عدد القوات العسكرية التركية الموجودة فى الأراضي العراقية ما بين 4500 - 5000 فرد.
كانت هناك قناعة ترى أن دخول العراق في مواجهة عسكرية مع تركيا في الظروف شديدة التعقيد التي تواجهه، هذه القناعة هي التي فاقمت من تكثيف تركيا لوجودها العسكري الذي يتخفى وراء حجة الدفاع عن النفس ضد حزب العمال الكردستاني المتواجد في مناطق وعرة بالقرب من الحدود التركية، وهي الحجة نفسها التي دخلت بها تركيا إلى شمال سوريا، وأدت إلى احتلال شمال غرب سوريا، وأنشأت مؤخراً قيادة عسكرية مركزية لقواتها المتواجدة هناك ومقرها مدينة انطاكية، وستكون هذه القيادة مسؤولة عن المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي والفصائل المسلحة المدعومة منها في الشمال السوري.
هكذا أخذ خطر التواجد العسكري التركي في العراق يتفاقم كما هو في سوريا، وتحول إلى أزمة، خصوصاً بعد الهجوم الذي شنته طائرة مسيرة تركية على موقع عسكري عراقي شمال أربيل، وقتل ضابطين عراقيين، ما دفع الحكومة العراقية إلى تقديم احتجاجات شديدة اللهجة إلى الحكومة التركية تمثلت في إلغاء زيارة كانت مقررة لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى بغداد، واستدعت وزارة الخارجية العراقية السفير التركي مرتين للاحتجاج.
على هذا النحو تحول الوجود العسكري التركي في العراق هو الآخر إلى «أزمة»، كما هو حال الوجود العسكري الأمريكي، والنفوذ الإيراني، ولن يستطيع الكاظمي استثناء بند الوجود العسكري التركي من أجندة «الحوار الاستراتيجي» مع الولايات المتحدة، لكن يبقى السؤال الصعب الذي يتعلق بمدى حماس الأمريكيين للتورط في هذه الأزمة، في ضوء التنسيق الأمريكي- التركي في سوريا، والتفاهمات الأمريكية- التركية في ليبيا، فضلاً عن تشابكات مصالح أطراف الأزمة التي تزداد تفجراً في إقليم شرق المتوسط، خاصة بين تركيا واليونان، وانقسام الاتحاد الأوروبي حول هذه الأزمة، ودخول فرنسا كطرف مواجه لتركيا، ما يزيد من أهمية مراهنة واشنطن على الحليف التركي في معظم تلك الملفات، ومنها ملف الوجود التركي في العراق الذي يمكن أن تعتبره واشنطن بديلاً لأي انسحاب أمريكي محتمل لموازنة النفوذ الإيراني، وورقة ضغط تقوي النفوذ التركي في سوريا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"