من الاقتصاد الشرائي إلــى «اقتصــاد التجربــة»

01:54 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي


في الماضي كانت أنماط الاستهلاك مرتكزة على الاعتقاد بأن المستهلكين الذين يفضلون المنتجات منخفضة السعر سيبحثون دوماً عن منتجات رخيصة، في حين أن المستهلكين الذين يحبون المنتجات مرتفعة السعر لن يسعوا إلا إلى الحصول على سلع فاخرة. لكن لاحظت الدراسات التطبيقية المتخصصة لشركات التسويق تغير هذه الظاهرة، أن الشخص الذي يسعى إلى شراء سلع بأسعار منخفضة قد يذهب أيضاً إلى المتاجر الراقية لشراء سلع فاخرة، وتوجهوا إلى علم النفس لتفسير ذلك فاهتدوا إلى اتجاه للسلوك الإنساني هو اتجاه «الشخصيات المتعددة»، ومعناه أن هناك قناعاً يضعه شخص ما لإظهار صور معينة لشخصيات أخرى، فكل الناس يرتدون أقنعة أو شخصيات مختلفة في حياتهم.

وبالمثل فإن لدى كل مستهلك من المستهلكين هويات مختلفة، فعلى سبيل المثال عندما يذهب رجل لعمله وهو يستمع للموسيقى عبر سماعة في أذنيه، هو في هذه الأثناء لا يعتبر موظفاً، ولكن بمجرد خلع السماعة ووصوله لمكتبه يتحول إلى موظف أو عامل.

والمرأة التي لديها أطفال صغار هي أم في الأوقات العادية، لكنها ترغب أيضاً في الاستمتاع بوجبة غداء في مطعم أنيق والدردشة مع صديقاتها.

لذلك لا ينبغي اعتبار الشخص ذي شخصية واحدة ولكن شخصيات متعددة حسب رغباته أو مواقفه. وبعد ذلك تم تلقف اتجاه الاستهلاك متعدد الأوجه وبالتالي الدعوة إلى إنشاء سوق يتم فيها تقديم سلع وخدمات وفقاً للشخصيات المختلفة للمستهلكين. كما لوحظ أنه في السابق ذكرت السلع المتميزة العديد من الأشخاص بالعناصر الفاخرة التي لديها تاريخ يمتد إلى مئات السنين في أوروبا وتلك التي تستخدمها فقط الطبقات العليا في الأسواق الناشئة.

لكن في هذه الأيام تلاشى هذا المعنى الرمزي بعض الشيء. وبدلاً من ذلك، فإن المنتجات التي توفر وقتاً وعملاً وبالتالي توفر الراحة تباع جيداً على الرغم من ارتفاع أسعارها. وفي بعض الاقتصادات تعتبر الثلاجة والتلفزيون والغسالة من أفضل ثلاثة أجهزة منزلية، بينما يتم وصف مجفف الملابس وغسالة الصحون والمكنسة الكهربائية الروبوتية بمثابة الهبة من السماء، حيث تساعد المستخدمين على توفير وقتهم وعملهم. والناس يتوقون إلى فتح محافظهم لشراء هذه المنتجات على الرغم من أنها غالية الثمن إلى حد ما.

وهكذا في حقبة «الاقتصاد الشرائي» السابقة كان الناس يشعرون بالسعادة عندما يشترون شيئاً ما، أما الآن فإنهم يشعرون بالرضا عندما يجربون شيئاً ما بشكل مباشر، حيث تحول التركيز إلى ما يسمى ب«اقتصاد التجربة». وبينما كان توفير المال يعتبر مهماً لشراء السلع في الماضي، فإن توفير الوقت والجهود أصبح الآن أكثر أهمية. وفي أثناء السير في هذا الاتجاه من المتوقع أن يتزايد عدد الناس الذين يطلبون وجبات الطعام إلى منازلهم دون الاضطرار إلى الانتظار في طوابير أمام المطاعم. وأيضاً تجنب العملية الشاقة المتمثلة في إعداد وطهي الطعام. بالإضافة إلى ذلك تتغير اتجاهات المستهلكين لتولد سوقاً جديدة تشير إليها عبارة «آخر مرحلة من الخدمة» حيث تعمل الشركات بجد لجعل منتجاتها وخدماتها متميزة من أجل جذب المزيد من المستهلكين. وبعد تفشي وباء كورونا خصوصاً، وجهت تلك الشركات أعينها إلى أعلى مستوى من رضا المستهلك.

مثال على ذلك: خدمة التسليم في الصباح الباكر حيث يطلب المستهلك شيئاً في المرحلة الأولى، ويدفع ثمنه في المرحلة الثانية، وينتظر تسليمه إلى منزله في المرحلة الأخيرة.

تقليل وقت الانتظار في المرحلة الأخيرة بشكل كبير مكن الشركات من تشجيع المستهلكين على الإنفاق بسهولة وأن يكون ذلك بسعادة أيضاًَ.

وأثبتت عملية التسليم السريع والمريح للبضائع نجاحاً وفق نتائج الأعمال في عدة أسواق. ومع انتقال نقطة إرضاء المستهلك إلى المرحلة الأخيرة، تحاول الشركات الاستيلاء على هذه اللحظة، متجاوزة المنافسة في التمييز بين منتجاتها، من أجل البقاء في السوق وهكذا تتم عملية تغيير المستهلكين المستهدفين أيضاً.

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"