كمامات «كورونا».. بين الضجر والخطر

03:40 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: بنيمين زرزور

الكمامات الطبية التي فرضها تفشي وباء «كورونا» تكاد تتحول إلى كابوس لدى البعض، وربما الأغلبية، بعد أن طال انتظارهم الخلاص منها ومن تبعات الوباء الأخرى، حتى باتت تشكل تحدياً يومياً لحرياتهم، فضلاً عن المخاوف من تأثير كمّ الأنوف، والأفواه، في صحة مستخدميها.
بعيداً عن رمزية التكميم واختلاط المشاعر بين القناع الطبي، وغيره من الأقنعة التي تعكس معاني الغدر، والتنكر، واللصوصية، ترسم الكمامة الطبية ملامح صور في أذهان الناس، بعضها إيجابي ناتج عن التقارير التي ترصد منحنى الإصابات بالفيروس وعلاقته بالالتزام بالتعليمات الصحية، ومنها وضع الكمامات، وبعضها ما هو سلبي، ناتج عن ارتباط الكمامة بحريات الحركة وقيود التباعد الاجتماعي وصعوبات التنفس، خاصة في فصل الصيف الذي اعتاد الناس فيه على الخروج في رحلات بحثاً عن النسيم العليل، والهواء الطلق.
وسط هذا الضجيج انطلق سكان المدن في عدد من دول العالم في تظاهرات احتجاجية ضد فرض القيود، عموماً، والكمامات خصوصاً. فقد نزل آلاف من معارضي وضع الكمامات والقيود المفروضة لاحتواء تفشي «كورونا»، إلى الشوارع في مدن أوروبية عدة، وكانت أكبر تظاهرة في برلين، لكن الشرطة فرّقتها بسبب عدم احترام المشاركين فيها، الذين بلغ عددهم نحو 18 ألفاً، التدابير الوقائية.
وكان لافتاً بعد تفريقها بقاء المتظاهرين في الشارع، حيث جلس كثر منهم على الرصيف، وهم يهتفون مرددين «مقاومة»، و«نحن الشعب»، وهو شعار يستخدمه اليمين المتطرف، كما رددوا النشيد الوطني الألماني ما أضفى الصبغة السياسية على التظاهرات.
ولم تكن الدعوة إلى التظاهر في فرنسا ذات صبغة سياسية كما تظاهرات برلين. فقد تجمّع نحو 200 إلى300 شخص بهدوء في باريس للتنديد بفرض وضع الكمامات هاتفين «حرية، حرية»، في أول تظاهرة مماثلة منذ انتشار الوباء.
واحتشد المتظاهرون في ساحة «لا ناسيون» في شرقي باريس، واتّهموا الحكومة «بالتلاعب بمشاعر الناس، بفرض الذعر من خلال فرض وضع الكمامات في عدة مدن كبيرة، من دون أي مبرر علمي». وطوّقت قوات الشرطة المتظاهرين، وفرضت غرامات بقيمة 135 يورو بحق متظاهرين لم يضعوا الكمامات.
وفي لندن، احتشد نحو ألف متظاهر في ساحة ترافلجار ودعوا إلى إنهاء ما وصفوه بالاستبداد الطبي. وخرجت المسيرة تحت شعار «متحدون من أجل الحرية»، بهدف وضع حد لما قالوا إنه «أكاذيب الحكومة»، ومن أجل «استعادة جميع الحريات». وحمل بعض المتظاهرين لافتات تصف فيروس كورونا بأنه مجرد «خدعة».
كذلك خرج المئات من معارضي التدابير والإجراءات الطبية في تظاهرة بوسط مدينة زيوريخ السويسرية. وكان من أبرز منظميها الزعيم السياسي فرنسوا دي سيبنتال، الذي أطلق حملة لجمع توقيعات شعبية من أجل إجراء استفتاء ضد تطبيق الإجراءات الحكومية الرامية إلى الحد من انتشار الفيروس.
واجتاحت عدداً من مدن آسيا الكبرى تظاهرات مماثلة رفعت شعارات المطالبة بالحد من إجراءت التقييد حرية الحركة، وفسح المجال أمام الناس للسعي وراء أرزاقهم.


تحرك على غير هدى


ويصف القائمون على ضبط الأوضاع الصحية في كثير من دول العالم في ظل جهود مواجهة «كورونا»، مثل هذا النوع من التحركات على أنها ناتجة عن جهل بأبعاد تفشي الوباء، وعن استهتار بالصحة العامة، أو تهور لا طائل تحته. واتخذت منظمة الصحة العالمية، التي تحذر من موجة وباء ثانية أشد فتكاً، مواقف أكثر حكمة من قضية التظاهرات، رغم تشددها في التحذير من الموجة الثانية. ودعا مدير عام المنظمة، ​ تيدروس جيبريسوس، الحكومات إلى «الحوار مع من يتظاهرون ضد ارتداء الكمامات»، مؤكداً ضرورة «تذكير المعارضين، بأن الفيروس حقيقي وقاتل»، كما دعا ​المحتجين​ إلى «التقيد بإجراءات النظافة، والتباعد الجسدي، ووضع الكمامات حتى أثناء التظاهرات».
واعتبر جيبريسوس الاستماع إلى مطالب الناس مهم وضروري من أجل تحقيق نتائج في تطبيق القيود والإجراءات التي لا بد منها لمواجهة انتشار الوباء. وشدد على حقيقة واحدة هي أن الفيروس خطير، وحقيقي ولا بد من مواجهته بجهود مشتركة.


ملامح الموجة الثانية


ولا تزال السلطات الصحية، والمعنيون بمواجهة الفيروس في مختلف دول العالم، متمسكين بكل إجراءات المواجهة والترتيبات الاحترازية تحسباً لما يعتقد أنه موجة ثانية من تفشي الوباء ربما تكون أخطر من الموجة الأولى.
وبعد أن تجاوز عدد الإصابات منذ بداية تفشي الوباء 30 مليون إصابة، نتجت عنها مليون وفاة، يسجل منحنى الإصابات شطحات مقلقة، خاصة في الدول التي لا تستطيع مواجهته لضعف إمكاناتها، أو تلك التي تراخت في تطبيق قيود التباعد الاجتماعي، وسارعت لفتح الأنشطة الاقتصادية حرصا ًعلى أرزاق الناس، ودعم خروج الاقتصاد من الركود.
فقد أعلنت هيئة الخدمات الصحية البريطانية أنّ هناك موجة تفشّ ثانية من مرض «كوفيد - 19»، موضحة أنّ حالات الإصابة تتضاعف كل سبعة أيام تقريباً، ما أدى إلى حالة من التوتر لدى الإدارات الصحية المعنية. وعزا وزير الصحة، ماثيو هانكوك، انتشار الوباء في الموجة الثانية إلى «خرق الشباب إجراءات الوقاية من الوباء».
وفي اليوم نفسه الذي سجلت فيه بريطانيا 3 آلاف إصابة خلال 24 ساعة، سجلت فرنسا عشرة آلاف إصابة، بينما أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية عن 46 ألف إصابة جديدة. وكذلك، شهدت دول عربية عدّة قبل أسبوعين، ارتفاعاً مفاجئاً في أعداد الإصابات لم تشهدها منذ بداية انتشار المرض.


«قرارات صعبة»


وتستعد السلطات الصحية، ومن ورائها الحكومات، لاتخاذ تدابير جديدة للحد من انتشار الفيروس، قد تكون أكثر تشدداً، حيث قالت الحكومة الفرنسية أنها تستعد لاتخاذ «قرارات صعبة» لمواجهة وضع وصفته بأنه «مقلق جداً». ويبدو أن نهاية الوباء والوصول إلى بر الأمان الصحي غير مؤكد حتى الآن. ويقول مدير الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، مايكل راين «ليس هناك نهاية سريعة في الأفق». ودعا مدير المنظمة إلى مزيد من التعاون وتكثيف الجهود مطالباً بتشكيل قيادة متخصصة على مستوى العالم لمواجهة الوباء يكون للدول العظمى اليد الطولى فيها.
وعندما يدق منحنى الإصابات المتصاعد ناقوس الخطر فمن الطبيعي أن تخفت الأصوات التي تطالب بالعودة إلى الوضع الطبيعي، حتى ولو تظاهر الناس، واحتجوا، فهؤلاء الناس في نهاية المطاف هم المستهدفون من تشديد القيود. والجميع متفقون على أن حياة الناس مقدمة على أرزاقهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"