عادي

قضايا الســب والقـذف بيـن الأزواج تعصـف بالمودة وتنتهي بالطلاق

23:35 مساء
قراءة 7 دقائق
1

تحقيق: آية الديب
الدعاوى القضائية المرتبطة بالسب والقذف باتت تتردد إلى مسامعنا خلال الآونة الأخيرة، لاسيما مع زيادة استخدام المجتمع لمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، إلا أن السب والقذف بين الأزواج له طابع خاص؛ إذ يقضي على الألفة والمحبة وتتحول الحياة الزوجية إلى تبادل للشتائم والاتهامات نتيجته وتعجز الحلول العائلية المعتادة عن حله، وتكون نهاية المطاف في أروقة المحاكم لطلب الطلاق أو تعويضات.
«الخليج» تحدثت مع عدد من الأزواج الذين رفعوا أو رفع بحقهم دعاوى سب وقذف من قبل أزواجهن، لكن حفاظاً على خصوصيات حياتهم الأسرية تمت كتابة رموز تعبر عنهم عوضاً عن أسمائهم.
وأكد عدد من القانونيين، أن أغلب الدعاوى القضائية الخاصة بسب وقذف الأزواج لبعضهم البعض تتزامن مع الرغبة في الطلاق وغالباً ما ترفعها النساء سنداً لدعاوى الطلاق، ويكون تبادل الاتهامات حول سوء الخلق والشرف، مؤكدين أن المحكمة لا تلتفت لدعاوى السب والقذف التي تقام دون دليل وأن الاعتراف يعد دليلاً على وقوع السب.
وأشاروا إلى انخفاض دعاوى السب والقذف التي تشهدها المحاكم بالتزامن مع محاربة انتشار فيروس كورونا، وعدم جواز قبول دعوى السب باستخدام وسائل تقنية المعلومات، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر، لافتين إلى أن المرأة العاملة والمرأة التي تقطن المدن أكثر رفعاً لدعاوى السب مقارنة بربات المنازل والنساء اللاتي يقطن في الضواحي والمناطق البعيدة.
جحيم الشك
البداية كانت مع الزوجة (ف.أ)، التي قالت: على الرغم من قصة الحب التي جمعتني بطليقي قبل الزواج فإن الشك والحب لا يجمعهما بيت واحد؛ فبدافع الغيرة كان يشك في كل تصرفاتي إلى أن تحولت حياتي إلى جحيم لا يطاق وبمرور الوقت زادت المشادات الكلامية والمشاجرات اليومية وأدركت أن إنهاء حياتنا الزوجية أفضل من الوصول إلى نتائج لا يحمد عقباها.
ونظراً لاتهام طليقي لي المتكرر بافتراءات من واقع خياله يتهمني فيها بعدم صون عرضه وشرفه وتحسين المعصية سواء بالتحدث المباشر لي خلال مشاجراتنا أو عبر الرسائل على مواقع التواصل بيننا، نصحني المحامي برفع دعوى سب وقذف بحقه أولاً وبالفعل تقدمت بدعوى قضائية تم الحكم فيها لصالحي، حينها رفعت دعوى لدى دائرة الأحوال الشخصية، وقدمت فيها الحكم الجزائي الصادر بحق طليقي دعماً لدعوى الطلاق وتم تطليقي للضرر.
خدعة زوج
أما (أ. خ) يقول: منذ أن كنت في عامي الثاني والعشرين تزوجت من شابة من جنسية بلد عربي آخر؛ حيث سافرت إلى بلدها الأم وتم عقد قراننا هناك بوكالة خالها، على أنها كانت بكراً رشيداً ولم يسبق لها الزواج من قبلي، واستمرت علاقتنا الزوجية لسنوات تتسم بالهدوء والاستقرار وأنجبنا طفلين، إلا أنه بعد أن أنجبت لي طفلنا الثالث كانت المفاجأة.
بعد اختيار اسم المولود الثالث توجهت لتقديم طلب استخراج شهادة الميلاد الخاصة به، لكننا حينها كنا بإمارة غير الإمارة التي نقطن فيها، وكان هناك تعطل في الأوراق أثار تساؤلاتي وطالبتني إحدى الجهات بالتوجه إلى الجهة المختصة لمعرفة ما سبب تأخر استخراج شهادة طفلي.
حينها تفاجأت بأن زوجتي لديها دعاوى قضائية تم اتهامها فيها بالزنا لأكثر من مرة قبل زواجنا وتم إصدار بحقها أحكام قضت بإدانتها ومعاقبتها عن الجرائم التي أسندت إليها حينها، وحينما تحدثت إليها بعد صدمتي اعترفت بكذبها علي وأنها أخفت ذلك الأمر خوفاً من خسارتي، وأنها أجرت عملية جراحية في وطنها الأم قبل زواجنا، بعدها لم أتمالك نفسي ولغضبي قمت بسبها هي وموكلها وقت الزواج (خالها) عبر تطبيق «الواتس آب» ورفعت علي دعوى قضائية اتهمتني فيها بسبها.
دعوى مفاجئة
وتقول (م.م) قبل وقوع الطلاق بفترة قليلة كان يستعير طليقي هاتفي لمحادثة أسرته مدعياً انتهاء رصيده، وكنت أعيره له غير مكترثة لأي نوايا سيئة قد تجول بذهنه، وبعد وقوع الطلاق بيننا تفاجأت برفعه دعوى قضائية جزائية بحقي يتهمني فيها بسبه وقذفه عبر وسائل تقنيات المعلومات، على الرغم من عدم توجيهي له أية عبارات للسب عبر المحاثات التي كانت على مواقع التواصل الاجتماعي فيما بيننا.
وبمرور الوقت تذكرت استعارته لهاتفي وأدركت أنه كان يقوم بإرسال رسائل من هاتفي لهاتفه ثم يقوم بمسحها من هاتفي فقط حتى تكون فيما بعد دليلاً لإدانتي، وخلال تداول قضية السب بيننا كانت هذه الرسائل دليلاً على إدانتي وصدر بحقي حكماً جزائياً بتغريمي 250 ألف درهم، إلا أن رغبته في الانتقام مني لم تتوقف عند هذا الحد؛ بل توجه بعدها برفع دعوى مدنية بحقي تم القضاء له فيه بتعويض مالي.
سند للطلاق
البداية مع القانونيين، كانت مع المحامي إبراهيم التميمي، الذي أكد أن أغلب الدعاوى القضائية الخاصة بسب وقذف الأزواج لبعضهم البعض تتزامن مع الرغبة في الطلاق أو بعد وقوع الطلاق بين الطرفين، وغالباً ما ترفعها النساء سنداً لدعاوى الطلاق؛ حيث ترفع الزوجة دعوى جزائية بحق الزوج تتهمه فيها بالسب وفي حال كان الحكم إدانة للزوج، تستخدم الزوجة الحكم كسند لدعواها لدى دائرة الأحوال الشخصية التي تطالب فيها بالطلاق للضرر.
ويؤكد أن هناك العديد من الحالات تحاول رفع دعاوى سب وقذف كيدية للحصول من ورائها على أهداف يريدونها، إلا أن المحكمة تنظر الدعاوى وتقرر إذا كانت الدعاوى كيدية أم لا، وأن المحكمة لا تلفت لدعاوى السب والقذف التي تقام دون إثبات دليل على وقوع السب والقذف كأن يكون تم بوجود شهود أو عن طريق إحدى وسائل تقنية المعلومات.
ويضيف: في حال سب كل من الطرفين الآخر وخلال الاستماع إليها اعترف أحدها بالسب بينما أنكر الآخر، فإن المحكمة تعتبر الاعتراف دليلاً على وقوع السب وقد تصدر حكم بالإدانة باعتباره دليلاً، لافتاً إلى نسبة كبيرة من حالات السب والقذف بين الأزواج تكون بشأن اتهامات حول سوء الخلق والشرف.
ويشير إلى انخفاض دعاوى السب والقذف التي تشهدها المحاكم بالتزامن مع محاربة انتشار فيروس كورونا قائلاً: الدعاوى القضائية بما فيها دعاوى السب والقذف قلت بشكل عام مع محاربة «كوفيد- 19».
الاعتراف بالسب
أما المحامية هدية حماد، تؤكد أن دعاوى السب والقذف غالباً ما تستند إليها الزوجات المتضررات من أزواجهن في دعاوى الطلاق، وخاصة الأزواج الذين يسبون زوجاتهم بعبارات سب تتضمن إهانات لها ولأهلها أو ترتبط بالشرف أو يتهمها فيها بالزنا وغيرها، وفي حال إدانة الأزواج بهذه الوقائع وفق أحكام جزائية تكون أحكام الإدانة للأزواج مستنداً مهماً للزوجات لإثبات تضررهن من عشرة أزوجهن، ويرفعن قضايا طلاق للضرر.
وتقول: من جانب المحكمة يبقى دليل وقوع واقعة السب هو الأهم سواء كان هذا الدليل عبارة عن شهود أو محادثات مكتوبة أو من خلال اعتراف المتهم بأنه سب الطرف الآخر، لافتة إلى أنه في أحد القضايا رفع زوج دعوى سب وقذف على أم زوجته ولم يكن هناك دليل على وقوع السب سواء بشهود أو بمحادثات مكتوبة إلا أنه باستدعاء أم الزوجة اعترفت بسبها للزوج، وصدر حكم قضائي بتغريمها 250 ألف درهم.
جنح
إلى ذلك يقول المحامي الدكتور رائد العولقي: قضايا السب والقذف تنظرها محاكم الجنح والسب يعني الشتم بإطلاق اللفظ الصريح الدال عليه وهو المعنى الملحوظ في اصطلاح القانون الذي اعتبر السب كل إلصاق لعيب أو تعبير يحط من قدر الشخص أو يخدش شخصه والمرجع في التعرف إلى حقيقة ألفاظ السب هو ما يطمئن إليه القاضي في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، أما القذف هو اتهام الغير بالعيب أو الأمر الشائن بشكل واقعة محددة، التي تستوجب فيما لو كانت صحيحة معاقبته إدارياً أو انضباطياً أو جزائياً أو احتقاره والتصغير من شأنه أمام أفراد عائلته وقومه ومجتمعه.
ويشير إلى عدم جواز قبول دعوى السب باستخدام وسائل تقنية المعلومات، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليهم بالجريمة ومرتكبيها، وأن التراخي في تقديم الشكوى يسقط حق الشاكي وفقاً للمادة 10 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي.
ويضيف: السب والقذف يعد من الأسباب الرئيسية لوقوع الطلاق للضرر، فيمكننا القول إن ما يقارب 40 % من دعاوى الطلاق التي ترفعها الزوجات تكون المطالبة فيها بالتطليق للضرر لتعرضهن لسب وقذف من جانب الأزواج، مؤكداً أن نسب دعاوى السب والقذف التي ترفعها الزوجات العاملات تزيد نسبها عن دعاوى السب والقذف التي ترفعها ربات المنازل، كما تزيد نسب دعاوى السب والقذف للنساء اللاتي يعشن في المدن مقارنة بالنساء اللائي يقطن أطراف المدن.
ابتزاز متنوع
وتؤكد الدكتورة ريهام الحيدري، استشاري الاجتماع والعلاقات الاجتماعية والتنمية، أن دعاوى السب والقذف المتبادلة بين الأزواج غالباً ما ترمي إلى تحقيق هدف محدد للمدعي، وتتعدد هذه الأهداف، وتختلف من حالة لأخرى، فالبعض يستخدمها كوسيلة للضغط، لاسيما في حالة وجود أبناء؛ إذ يسعى المدعي إلى كسب الأطفال على حساب الطرف الآخر وتشويه صورة المدعي عليه لدى الأبناء.
وتقول: البعض يستهدف من هذه الدعاوى تشويه سمعة الطرف الآخر وهو ما يكون له أثر كبير، لاسيما في العوائل الكبيرة المترابطة، والبعض يستهدف التأثير على مستقبل الطرف الآخر بعد وقوع الانفصال، وآخرون يستغلون هذا النوع من الدعاوى القضائية في الابتزاز بمختلف أنواعه سواء كان ابتزازاً مالياً في مقابل التنازل عن هذه الدعاوى أو ابتزاز للقيام بفعل معين، وفي أحيان كثيرة يقع السب بين الأزواج تعبيراً عن الغضب أو كرد فعل انتقامي.
مصلحة الأبناء:
وتضيف: لا شك أن هناك نسبة كبيرة من هذه الدعاوى يكون الطرف المدعي فيها متضرراً من وقوع السب والقذف بحقه ويكون مجبراً على رفع الدعوى أو يضطر إليها لتكرار الطرف الآخر للسب وعدم توقفه عند مرة واحدة، لكن النقطة الأهم في رفع هذه الدعاوى هي الأبناء، وحمايتهم من التأثيرات السلبية التي يتعرضون لها نتيجة معرفتهم هذه الدعاوى.
وتتابع: بعض العلاقات الزوجية يمكن إنهائها بسهولة وبخسائر أقل وهي العلاقات التي لم ينتج عنها إنجاب أطفال، أما في حالة وجود أطفال تظل هذه العلاقات مستمرة على الرغم من وقوع الطلاق ومهما مرت السنوات، والأفضل المحافظة على علاقات ولو سطحية هدفها هو مصلحة الأبناء دون الالتفات إلى أية مصالح شخصية.
وتحذر من تأثير دعاوى السب والقذف بين الأزواج على الحالة النفسية للأطفال، لاسيما ممن تتخطى أعمارهم سن 7 سنوات؛ حيث يكونون على وعي وفهم للمجريات من حولهم وعلمهم بهذه الدعاوى تؤثر في تنشئتهم الاجتماعية، وتؤدي إلى تشويه صورة الآباء في نظرهم وشعورهم بالتشتت وفقدان التركيز ما يؤثر بطبعه في مستوى تحصيلهم الدراسي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"