أستراليا في مواجهة العمالقة

00:49 صباحا
قراءة 3 دقائق

تيم ديوار*

على الرغم من أن روابط الأخبار قد لا تكون أدوات دعاية مباشرة لجني الأموال لكل من «فيسبوك» و«جوجل»، فإن الشركتان تعتبران أن وجود الأخبار عامل مهم في تفاعل الجمهور مع منتجاتهما.

 فقد قال مسؤولون تنفيذيون من «جوجل» و«فيسبوك» أمام لجنة في مجلس الشيوخ الأسترالي، إنهم على استعداد لاتخاذ إجراءات صارمة؛ إذا فُرض قانون المساومة الجديد، الخاص بتنظيم علاقات وسائل الإعلام، والذي من شأنه أن يجبر عمالقة الإنترنت على الدفع لناشري الأخبار، مقابل الارتباط بمواقعهم.

 وقال ميل سيلفا، مدير «جوجل» في أستراليا «لن يكون أمام الشركة أي خيار سوى عزل المستخدمين الأستراليين تماماً عن محرك البحث الرئيسي الخاص بها». وقال ممثلو «فيسبوك» إنهم سيزيلون روابط المقالات الإخبارية من ملف الأخبار للمستخدمين الأستراليين، إذا وضعت الشفرة موضع التطبيق الفعلي.

 ولم تبدِ الحكومة الأسترالية أي مؤشر على التراجع؛ حيث قال كل من رئيس الوزراء سكوت موريسون، ووزير الخزانة جوش فرايدنبرغ: إن الحكومة لن تستجيب للتهديدات.

فما الذي سيحدث ؟ هل «جوجل» و«فيسبوك» على استعداد لحرمان المستخدمين الأستراليين من خدماتهما، بدلاً من دفع بعض الأموال للناشرين بموجب قانون المساومة؟

 تزعم «فيسبوك» أن الأخبار ليست ذات قيمة حقيقية كبيرة في تنشيط أعمالها؛ فهي لا تجني الأموال من الأخبار بشكل مباشر، وتزعم أن أقل من 5 في المئة من ملف الأخبار على منصاتها، يأتي من روابط أخبار محلية أسترالية تهم المواطن الأسترالي.

 لكن من الصعب التوفيق بين هذا الرقم ومعلومات المصادر المستقلة؛ ففي عام 2020، كشف تقرير الأخبار الرقمية لجامعة كانبيرا أن نحو 52 في المئة من الأستراليين يحصلون على الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن العدد آخذ في الازدياد.

 وتتباهى «فيسبوك» أيضاً باستثماراتها الكبيرة في الأخبار التي تتم عبر صفقات مع الناشرين، وفي منتجات إخبارية جديدة؛ مثل تطبيق «فيسبوك –نيوز».

 وتقول «جوجل» إنها تجني القليل من المال من الأخبار، بينما تستثمر في نفس الوقت بكثافة في المنتجات الإخبارية؛ مثل تطبيق «نيوز شو كيس».

 لذلك، ترى الشركتان أن وجود الأخبار على منصاتهما عامل مهم في تفاعل الجمهور مع منتجاتهما. في حين أن الروابط المؤدية إلى الأخبار، قد لا تكون دعاية مباشرة لتحقيق الأرباح لأي منهما.

 ويبدو أن الشركتين على استعداد لدفع بعض المال لناشري الأخبار، لكنهما تريدان عقد الصفقات بشروطهما الخاصة.

 ومعلوم أن «جوجل» و«فيسبوك» هما من أكبر الشركات وأكثرها ربحية في التاريخ، ولكل منهما قدرة تفاوضية أكبر بكثير من أي ناشر أخبار، ويهدف قانون المساومة الذي فرضته أستراليا بشأن تعامل وسائل الإعلام مع منصات التواصل الاجتماعي، إلى تحقيق بعض التوازن في العلاقة بين الطرفين.

 ومن الواضح أن «جوجل» و«فيسبوك» لا تعيران اهتماماً للدور الذي تلعبه الأخبار في القضايا الاجتماعية، وتشكيل الرأي العام والحرص على المصالح العامة. والأهم من ذلك أنهما قد لا تدركان مدى تورط كل منهما في تراجع جودة الخبر على مدى العقدين الماضيين، وتسعى الشركتان لتحميل التقنية والتحولات المرتبطة بها مسؤولية ذلك.

 وتفضل الشركتان اختيار الاتفاقات التجارية وتنظيمها وإبرامها، لقاء مقابل مادي بغض النظر عن الالتزام بمجموعة من قواعد التحكيم ذات المقاس الواحد الذي يناسب الجميع.

وتمثل هيمنة «جوجل» و«فيسبوك» على البحث الشبكي ووسائل التواصل الاجتماعي، نموذجاً معاصراً من الاحتكارات الأمريكية في السنوات السابقة مثل شركات السكك الحديدية ثم شركات النفط ثم الاتصالات، وهلم جرا.

 وقد تحولت تلك الاحتكارات إلى هياكل أساسية في البنية التحتية الرأسمالية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلها تطلبت تشريعات؛ لتفكيكها من أجل المصلحة العامة.

ومن غير المستغرب أن تتنصل منصات وسائط تقنيات الإعلان العملاقة من اتباع القواعد؛ لكن يجب عليها الاعتراف بأن ثروتها وقوتها العاتية لا تنفصل عن مسؤوليتها الأخلاقية تجاه المجتمع.

وعلى الرغم من استمرار دعاية شركات الإنترنت حول مجانية الشبكة، فإن المستخدمين اليوم باتوا محاصرين من قبل منصات ضخمة لشركات؛ مثل: «جوجل» و«فيسبوك»؛ حيث ترفض مثل هذه الشركات أن يتدخل أعضاء مجلس الشيوخ الأسترالي في نموذج أعمالها.

 ولا مانع لدى «جوجل» و«فيسبوك» من التعاون مع لجنة مجلس الشيوخ، طالما أنهما تستطيعان تعديل الترتيبات، فهما لا تريدان الظهور بمظهر غير المتعاون. أما التهديد بقطع الخدمة عن المواطنين الأستراليين؛ فهو أسوأ سيناريو بالنسبة لهما؛ حيث تغامران بفقدان أعداد كبيرة من المستخدمين، أو على الأقل جعلهم أقل تفاعلاً - وبالتالي تحقيق عائد إعلانات أقل.

 وقد أجرت «جوجل» بالفعل تجارب؛ لاختبار إزالة الأخبار الأسترالية من البحث؛ لكن على نطاق ضيق. وقد يكون هذا دليلاً على أن التهديد بالانسحاب من أستراليا جدي وخطر، أو على الأقل، التفكير في اتباع سياسة حافة الهاوية.

* أستاذ الإعلام والاتصالات.(جامعة سيدني)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الإعلام والاتصالات.(جامعة سيدني)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"