الإمارات في سماء العلم والعالم

00:58 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

2021، عام حفرته الإمارات في التاريخ وفي أجندة الزمن، وفي سيرة العرب، وعلى قائمة الإنسانية. فهذه الدولة لم تصعد إلى المريخ وحدها؛ بل حملت معها العرب والسيرة والقيم الإنسانية وكل المبادئ التي تنادي بها وتعمل من أجلها، لتخلدهم وتخلد يوم التاسع من فبراير 2020.. حاولت ونجحت من المرة الأولى، وهو النادر تحقيقه والذي كان عصياً على كثير من الكبار، لتعيد صياغة خريطة العلم والمعرفة، وتضع نفسها في المكانة المستحقة بين الدول، لتؤكد أن الإماراتيين لا يعرفون المستحيل فعلاً لا قولاً، وأن العرب يستطيعون فعل المعجزات إن أرادوا، وإن توافرت لهم القيادة الملهمة والإدارة الواعية والواثقة بقدرات أهلها وناسها. 

نعم.. العرب يستطيعون أن يبهروا العالم مثلما فعلت الإمارات، ومثلما فعل أجدادنا الذين تركوا لنا حضارة نتباهى بها أمام العالم، ونحن مستسلمين لعجز أقنعنا به الآخر، ومستحيل توهّمناه، حتى قررت هذه الدولة الفتية أن تحطم العجز وتعالج الشلل، وتكسر الحاجز وتتقدم على الكبار وتفتح أمام الإنسان العربي نافذة يمكنه أن يقفز منها إلى المستقبل ويستأنف حضارة الأولين، وينفض عن نفسه وعن تاريخه غبار الزمن. 

وصول مسبار «الأمل» إلى مدار المريخ، جعل من الإمارات دولة تمتد على المساحة التي قطعها منذ انطلاقه حتى وصوله إلى المدار، مسافة 500 مليون كيلومتر، مر عبرها علم الدولة وإبداع أبنائها، وإرادة قادتها ممثلة في تكنولوجيا صاغها العقل الإماراتي الشاب، الذي فكّر وصمّم وصنّع وأطلق وتابع لحظة بلحظة، منذ الإطلاق في 20 يوليو الماضي وحتى الوصول إلى مدار الكوكب الأحمر، ليبدأ مهمته في جمع البيانات حول مناخ المريخ وغلافه الجوي، ويحول دور العقل الإماراتي إلى الرصد والتحليل والبحث العلمي ومد المؤسسات العلمية الدولية وكبار العلماء والمهتمين بشؤون الفضاء حول العالم بالبيانات والمعلومات اللازمة، بما يمكنهم من رسم خريطة صحيحة للمستقبل الإنساني. 

أنظار العالم اتجهت يوم الثلاثاء إلى الإمارات، سواء لمتابعة الحلم أو التشكيك في قدراتها على تحقيقه، ولكن وبحمد الله، تمت المهمة بنجاح، وهنأ صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بتحويل الحلم إلى واقع؛ حلم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ، وبارك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة للبشرية إنجاز الوعد، واليوم وغداً يصوب العالم أنظاره إلى الإمارات انتظاراً للمعلومات التي سيتم جمعها عبر عدسات المسبار، ليصبح المجهول عن المريخ معلوماً، وليتعرف سكان الأرض إلى مدى إمكانية إقامة حياة هناك، وما إذا كان المناخ يسمح بذلك أم لا. 

ومثلما أضاء الأجداد طريق العلم والحضارة أمام الإنسانية، ومثلما أخذ الغرب من أسس حضارتنا ليبني عليها حضارته، نعود نحن العرب اليوم وعبر البوابة الإماراتية لاستئناف الحضارة، وإضاءة طريق المستقبل أمام العالم بما سيتم جمعه عن المريخ ومناخه، على مدار سنة مريخية توازي سنتين أرضيتين. وإنجاز مسبار «الأمل» العظيم ومهمته العلمية البحثية الاستشرافية ليس سوى خطوة أولى على طريق الإمارات في الفضاء. 

ومثلما سيظل يوم 2 ديسمبر 1971 يوماً خالداً في التاريخ، باعتباره يوم التأسيس والاتحاد والتوحد وابتداء رحلة بناء الدولة، سيكون يوم 9 فبراير يوم الانتقال من البناء إلى التحليق في سماء العالم وفي سماء العلم، ويوم استئناف الحضارة المنسية، ويوم الانطلاق للمساهمة في بناء عالم المستقبل المعتمد على البحث والعلم والمعرفة والاستكشاف، وأيضاً يوم اكتمال النضج الإماراتي ببلوغ الخمسين، والبدء في الاستعداد لخمسينية جديدة بملامح مختلفة؛ لذا كان توصيف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، له بأنه يوم وطني ثانٍ، ولحظة تحوّل كبرى في التاريخ والمسيرة التنموية الإماراتية، هو التوصيف الأدق. فإمارات ما بعد الوصول إلى المريخ ستكون مختلفة عن إمارات ما قبله على المستويات كافة. 

الإنجاز سيُلقي بظلاله على مناحي الحياة الإماراتية، وليته يُلقي بظلاله على العرب أجمعين، ويأخذهم معه إلى عالم المستقبل، الذي سيتجاوز كل من يبحث عن الاختلاف حول بديهيات، ويشعل الخلاف حول مبادئ محسومة، ويسعى لنيل أو اغتصاب ما ليس حقاً له، أو يجهد نفسه بحثاً عن أساليب لتضليل الناس ونشر الفتنة بينهم، وهو غير مدرك أنه سيكون أول من يكتوي بناره.

mahmoudhassouna2020@ Gmail.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"