الريف المصري أمن قومي

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

أخيراً وجد الفلاح المصري من يحنو عليه، وجد من يقول له إن الحياة التي يعيشها ليست جديرة به ولا بعطائه ولا بالحضارة التي كان من أوائل صناعها عبر التاريخ، وجد من يعترف بأن مستوى معيشته لا يلبي الحد الأدنى من متطلبات الحياة الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، وجد من يقول له إنه يستحق التقدير والاحترام، وإن توفير حياة كريمة له ليس مِنّة ولا درع تكريم، بل هو أبسط الحقوق التي كانت مسلوبة منه، حتى جاء من يعيد الحق لأصحابه، وينظر بعين الاعتبار لمن تجاهلته كل الأنظمة السياسية، وبين حين وآخر تلقي إليه بالفتات من بقايا الخدمات لحفظ ماء الوجه. 

 عبد الفتاح السيسي، سيذكر التاريخ أنه من انتبه لوجود ٥٨٪؜ من المصريين منسيين، وأنه الذي قرر أن ينفض الغبار عن الفلاح؛ ليعيش حياته التي يستحقها، وليعود صانع حضارة، وزارع أمل، وحاصد رعاية واهتمام. 

 مشروع تطوير الريف المصري اسم على مسمى، الهدف منه والمبتغى هو «حياة كريمة» لهؤلاء البسطاء، وذلك بتوفير كافة الخدمات لهم، وتيسير الصعب عليهم، بحل مشاكلهم التي ظلت مستعصية عقوداً وقروناً، رغم أنها من أبسط حقوق إنسان هذا الزمان، ابتداءً من رفع كفاءة المدارس والرعاية الصحية وتوفير الكهرباء على مدار الساعة وتمهيد الطرق، وتوفير مياه الشرب النقية، وتطهير وتبطين الترع، والأهم هو الصرف الصحي الذي لا يتوافر إلاّ في القليل من القرى، وسكان الكثير منها ما زال يمارس الحياة البدائية، وما يستتبع ذلك من انتشار لأمراض، في زمن لا تنقص الإنسانية فيه أمراض. 

 مشروع تطوير جميع قرى مصر خلال ٣ سنوات الذي أعلن عنه ويتبناه ويدعمه ويتابعه الرئيس السيسي هو المشروع الأهم في عصر البناء والتجديد والتطوير، وستجني مصر المستقبل من ورائه الكثير، تكلفته ٥١٥ مليار جنيه، وتستفيد منه ٤٥٠٠ قرية وتوابعها، أي حوالي٤٠ ألف عزبة ويقع على كامل المساحة المصرية، ستجني مصر من ورائه ما يوازي تريليونات الجنيهات مادياً، وما يفوق كل الأثمان معنوياً، ولعل الفائدة الأهم هي تعميق انتماء أبناء الريف للوطن، ليعود إليهم الإحساس بأنهم مواطنون لهم كامل الحقوق، وبعد إدراكهم أن حياتهم خارج المدن لم تعد تعني أنهم خارج دائرة اهتمام الدولة والحكومة، وبعد أن كان البعض منهم فريسة سهلة لجماعات التطرّف والعنف والإرهاب، سيتحولون إلى جبهة قوية تحارب كل من تسوّل له نفسه العبث بأمن واستقرار الوطن، ولن يعود ممكناً شراء أي منهم، مثلما كانت تفعل الجماعة الإرهابية معهم على مدار سنوات مضت. 

 المواطن الريفي يحلم دائماً بالحياة الكريمة، ولأنه يدرك أنها مفقودة لديه، فبمجرد أن يشبّ يوجّه أنظاره إلى عاصمة الدولة أو عاصمة محافظته، وفي أضعف الحالات أي مدينة يتوافر فيها الحد الأدنى من مقومات الحياة الإنسانية، وبعد إنجاز مشروع تطوير القرى سيفكر أبناؤها ألف مرة قبل اتخاذ قرار الهجرة إلى المدينة، وهو ما سيخفف من الطوفان البشري الزاحف على القاهرة بشكل خاص والمدن بشكل عام، ويمكن أن يُسهم في ذلك أيضاً التفكير في إقامة مشاريع إنتاجية في الظهير الصحراوي للقرى المجاورة للصحراء، ومشاريع إنتاجية في قرى الدلتا تتوافق وطبيعتها، وتكون مراكز جذب لشبابها بعد التخرج. 

 ولكي يؤتي مشروع تطوير القرى أكله بشكل كامل، ينبغي ألّا يقتصر العمل فيه على وزارات الإسكان والكهرباء والطرق والتنمية المحلية والتعليم والصحة فقط، ولكن يجب أن تشارك فيه وبشكل أساسي وزارة الثقافة، وأن تحرص الدولة على إنشاء مجمع ثقافي لكل مجموعة قرى، يتضمن مسرحاً ودار سينما وقاعة حفلات؛ حتى يتسنّى للشباب التعرف إلى الفنون وإنتاجها، وكذلك وزارة الشباب، بما يضمن توفير ملاعب لمختلف الرياضات؛ حتى يفرغ الشباب طاقته فيما ينفع ويفيد، ويقضي على الفراغ الذي يحوّله إلى بيئة خصبة للأفكار المتطرفة والهدامة. 

 محمد علي أنشأ الترع، وعبد الناصر أعطى الأرض لمن يزرعها، والسيسي يعيد بناء الإنسان الريفي، ويغيّر ملامح شكل القرية المصرية، في واحدة من أكبر مهام حماية الأمن القومي المصري من كل طامع وخبيث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"