الدول الناميـة وصندوق المناخ الأخضر

22:26 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *
مثلما حاولوا تأليب أوساط قضايا المناخ على مشروع إعادة معالجة المياه في البحرين، بربطه بصناعة النفط، وتحريض «صندوق المناخ الأخضر» (Green Climate Fund)، على تعليق تمويل المشروع، بزعم أن البحرين ليست دولة نامية وإنما هي من الدول ذات الدخل المرتفع، فإن تلك الأوساط حاولت، بموازاة ذلك، تشويه سمعة الممثل العربي الوحيد في مجلس إدارة الصندوق، والتحريض على سجله الوظيفي كمسؤول سابق في شركة نفطية هي شركة أرامكو.
استناداً إلى اقترابي، بحكم الوظيفة كأحد أعضاء فريق المناخ في البحرين، واقترابي، بحكم المشاركة، من أجواء مفاوضات المناخ، الجارية بصورة أساسية في إطار مؤتمرات الأطراف السنوية، خصوصاً منها الدورة الحادية والعشرين التي عقدت في باريس عام 2015، والتي تكللت باتفاق باريس للمناخ؛ وبحكم معرفتي الشخصية بكبير خبراء المناخ العرب، رئيس مجموعة المفاوضات العربية في مؤتمرات الأطراف السنوية، الذي تحاول تلك الأوساط النيل منه، باعتباره أحد الأصوات القوية، القليلة والنادرة، الممثِّلة تمثيلاً حقيقياً لمصالح الدول النامية في تصويب بعض توجهات السياسة التمويلية لصندوق المناخ الأخضر – فإنني أتوقع من كافة رؤساء وأعضاء الوفود العربية الرسمية في مفاوضات تغير المناخ، أن يأخذوا مثل هذه الحملة المغرضة والمناوئة لحقوق الدول النامية التي كفلها اتفاق باريس للمناخ، في الحصول على التمويل اللازم للوفاء بالتزاماتها تجاه الاتفاق، على محمل الجد، وأن يكون لهم موقف حازم من التسريبات الإعلامية المتعمدة لبعض القضايا الجدلية، التي يقوم بها من حين لآخر بعض أعضاء مجلس إدارة الصندوق لبعض الواجهات الإعلامية المعروفة بمواقفها العدائية المسبقة تجاه الدول النامية المنتجة لمصادر الطاقة الأحفورية.
لابد من تسجيل احتجاج، أولاً، من قبل المجموعة العربية في مفاوضات المناخ، وثانياً من قبل مجموعة ال 77 + الصين. لأن الأمر يتعلق بسياسة واضحة تعتمدها الدول المتقدمة وهي التسويف والمماطلة والذرائعية، لعدم صرف التمويل اللازم للدول النامية للوفاء بالتزاماتها الموصوفة في مساهماتها المحددة وطنياً، والأخرى المتعلقة بالطموحات المعززة، وذلك انسجاماً مع ما كانت صممت عليه (الدول المتقدمة) في باريس بجعل مسؤوليتها في تأمين التمويل لمشاريع التخفيف والتكيف، مسؤولية مطاطية غير ملزمة. ولعل الجميع الذين حضروا الجلسة الختامية لمؤتمر الأطراف في باريس، يتذكرون كيف كادت الولايات المتحدة، عبر وزير خارجيتها آنذاك جون كيري، أن تُفشل اتفاق باريس، بسبب تحفظها في اللحظة الأخيرة على ورود كلمة Shall في البند (4) من المادة الرابعة (Article 4.4)، التي تتعلق بمواصلة الدول المتقدمة التزامها بخفض الانبعاثات، وإصرارها على استبدالها بكلمة Should وإلا انسحبت من الاتفاق الذي كانت طرفاً رئيسياً في مفاوضات التوصل إليه. وذلك على أساس أن تعبير Shall (يجب)، أقوى لجهة الإلزام القانوني، من تعبير Should (ينبغي) الأقل صرامة وإلزامية. في ذات الوقت الذي أفرغت فيه التزامها (الدول المتقدمة) بتقديم الدعم المالي للدول النامية لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها، وفقا لصفقة باريس (الالتزام بالدعم المالي مقابل المشاركة في الجهد العالمي لخفض الانبعاثات)، من محتواه.
في حال لم يحدث ذلك، وتلكأت وتراخت وفود الدول العربية، والعالم الثالث عموماً، في الدفاع عن حقوقها وعن مصالحها، كما هي مطالبة بذلك وفقاً للتكليف الصادر إليها من بلدانها، فسوف تتمكن الدول المتقدمة، من تثبيت وتعزيز هيمنتها وفرض مقاربتها التمويلية الخاصة بمبادرات ومشاريع المناخ، خصوصاً مشاريع التخفيف (خفض الانبعاثات)، والتكيف (مع آثار وتهديدات تغير المناخ). وهو ما سيضع علامات استفهام حول مدى قدرتها على إجابة استحقاقاتها التي حل أجلها والخاصة برفع سقف ما تسمى «الطموحات المعززة»، عبر ترقية ما تسمى «مساهمتها المحددة وطنياً».
المشكلة لا تكمن في تشكيلة مجلس إدارة الصندوق، بقدر ما تكمن في نجاح الدول المتقدمة المهيمنة، عملياً، على الصندوق، في تحويل التمثيل الجغرافي في الصندوق إلى ذات التقسيم الفعلي القائم في النظام الاقتصادي الدولي ومؤسساته الناظمة، دول غنية تستأثر بالقرار ودول فقيرة لا حول ولا قوة لها، حيث أن هذا القسيم الإقليمي/الاقتصادي الدفتري الرسمي، لا يعكس سياسات الصندوق التمويلية. 
على الورق، فإن من بين الأعضاء ال 24 لمجلس إدارته، هنالك 10 ممثلين للدول المتقدمة هي: فرنسا، إيطاليا، كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، النرويج، إسبانيا، الدانمارك، فنلندا، وبريطانيا، إضافة إلى كل من اليابان، وألبانيا (الأخيرة عضو في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا، ومرشحة لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي منذ إبريل 2009). أي أنها تستحوذ على نصف مقاعد المجلس، فيما تتوزع بقية المقاعد على كل من: المكسيك، موريشيوس، السودان، كوريا الجنوبية (وهذه أيضا دولة عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD التي تضم الدول المتقدمة، وهي أيضاً الدولة المستضيفة لمقر الصندوق)، الصين، تنزانيا، المملكة العربية السعودية، ليبيريا، الأرجنتين، السنغال، وجمهورية الدومينيكان.
أما قصة الدعم الذي تلقته البحرين من الصندوق، والذي أثار كل هذه الزوبعة، داخل مجلس إدارة الصندوق وفي الواجهات الإعلامية للوبيات المناخ المناوئة للدول المنتجة للوقود الأحفوري، فتستحق وقفة خاصة لكشف حقيقة تلك المواقف غير الودية التي تبديها تلك الأطراف تجاه الدول النامية وضمنها الدول النفطية.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"