النظام المتعدد العملات ومصير العقوبات

22:16 مساء
قراءة 3 دقائق

*د. محمد الصياد

من المزايا البالغة الأهمية التي عرضتها الاقتصادية الأمريكية المخضرمة، كاثلين تايسون، في مؤلفها «المذهب التجاري متعدد العملات: النظام النقدي الدولي الجديد»(Multicurrency Mercantilism: The New International Monetary Order)، وهي التي تقلبت في مناصب تنفيذية عالمية وازنة في مؤسسات النظام النقدي العالمي، في ما يتعلق بتصورها للنظام النقدي الذي تقترحه (والذي سيكون، من وجهة نظرنا، انتقالياً باتجاه نظام نقدي عالمي أكثر شمولا (Inclusive)، تلك المتعلقة بأداة العقوبات الاقتصادية التي يستخدمها الغرب كسلاح ترهيب، وابتزاز صفقات، ومصالح، من بقية بلدان العالم.

تقول كاثلين تايسون بهذا الصدد، إن الدفع بالعملة المحلية، أو حساب فوسترو «Vostro accounts» بالعملات الإقليمية، يقلل من خطر العقوبات التي تقوض وتزعزع استقرار الاقتصاد الذي قد يتعرض لها. لقد عانى العديد من الدول الفقر، وعدم الاستقرار السياسي، نتيجة للعقوبات منذ أن فرضت الولايات المتحدة لأول مرة عقوبات أحادية على الصين في عام 1949. كما يمكن أن يؤدي الدفع بالعملة المحلية، أو حسابات فوسترو الإقليمية، إلى الحد من عدم المساواة والاستغلال في المبادلات الدولية، أخذاً في الاعتبار أن استيراد الطاقة والسلع بالدولار الأمريكي يقلل من قيمة الإنتاج المحلي، والعمالة. وقد يؤدي الدفع بالعملة المحلية، أو عملات شركاء التصدير، إلى تعزيز الاستقرار التجاري والاستهلاك المحلي والإنتاج المحلي، وبالتالي تقليل عدم المساواة في الدخل والثروة العالمية.

تأسيساً على ذلك، لن تكون هناك حاجة إلى بنية تحتية مالية جديدة معقدة، أو باهظة الثمن، أو عملة عالمية جديدة، أو بديل للدولار. فكل عملة مؤهلة لأن تكون طرفاً في تعاقدات الأطراف في المذهب التجاري متعدد العملات. وتنهض روسيا هنا مثالاً على إمكانية قيام الدول بتكييف أنظمة الدفع الجارية، وعمليات البنوك المحلية، ومحاسبة الشركات، وعمليات البنوك المركزية لدعم التجارة المتعددة العملات، في أسابيع، وليس سنوات.

حظوظ هذا الاتجاه في النجاح تتزايد بسرعة لافتة، حيث تتجه مجموعة «BRICS+»، وبلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وغيرها، نحو التجارة بعملاتها الوطنية، والعملات الإقليمية. من الواضح أنها تبغي تجسيد التغيير الذي تسعى إليه بصورة تعاونية ثنائية، ومتعددة الأطراف. الأمم المتحدة وثّقت تطلعات هذه الدول في قرارها الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2022 بشأن النظام الاقتصادي الدولي الجديد الذي دان صراحة العقوبات الأحادية الجانب.

قد لا يكون اليوان الصيني، أو الذهب، أو الأصول الاصطناعية الجديدة، بدائل مناسبة لهيمنة الدولار الأمريكي، بقدر ما يكون النظام التجاري المتنوع والمتعدد العملات، حيث تتداول كل دولة، بالعملة المختارة وفقاً للميزة المتصورة، وتقييم المخاطر. وهذا هو التمويل اللامركزي الذي قد يحدث فرقاً حقيقياً. بكلمات أخرى، كاثلين تايسون تريد أن تقول إن البديل للدولار هو الدولار وجميع العملات الأخرى. ما يعني أنه لن تكون هناك هيمنة جديدة، ولن تكون هناك حاجة للحروب، أو الانقلابات، أو غيرها من التدخلات العسكرية، وغير العسكرية لحراسة محيط العالم المتعامل بالدولار. وهذا أدعى لتطور النظام التجاري المتعدد العملات من مجرد قاعدة صغيرة في عام 2022 إلى حركة عالمية أكثر تنظيماً في المستقبل. بهذا الخصوص، تُجزم تايسون أن النظام التجاري متعدد العملات، سيكون أفضل بكثير للعالم من النظام الدولي الدولاري الذي قضت بداية حياتها المهنية في بنائه، وعولمته، كما تقول.

إنما في الواقع، ما كان ينقص مقترحات تايسون للعمل بالنظام التجاري المتعدد العملات، هو الأخذ في الاعتبار مدى توفر العنصر الأساسي اللازم للعمل بهذا النظام، والمتمثل في شرط توفر الدولتين، أو مجموعة الدول التي ستعمل به، على قاعدة معقولة من السلع والمنتجات التي يمكن للدول التي ستوافق على قبول عملتها الوطنية، شراءها، وإلا أصبح اقتناء عملتها الوطنية بلا جدوى، ولا فائدة، كما اكتشفت روسيا من مراكمتها لكميات هائلة من الروبية الهندية، وفقا لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف. هذا جانب، والجانب الآخر الذي يجب الاعتبار به، هو أن أي تحرك مفاجئ بعيداً عن الدولار يمكن أن يؤدي إلى اضطراب التدفق التجاري، وخسائر في قيمة الصرف. ما يتطلب تنسيقاً وتعاوناً سياسياً عالي المستوى، بما يمكّن من الإبقاء على الاختلالات تحت السيطرة، وإدارة عملية الانتقال إلى نظام أكثر استقراراً، بحيث يتطور النظام بشكل تدريجي. على أن تأخذ عملية الانتقال في الاعتبار وجهات نظر كل الدول الصاعدة، وليس الصين وروسيا، فقط.

*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ysst2d6z

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"