عادي

بوب كوفمان.. حياة كُتبت بالدخان

23:44 مساء
قراءة 3 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود

صدرت عن منشورات الجمل، 2019، الطبعة العربية لديوان «عزلة مكتظة بالوحدة» من تأليف الشاعر الأمريكي بوب كوفمان، وهي المجموعة الشعرية الأولى له، من ترجمة وتقديم: محمد مظلوم، وتعد أول ترجمة عربية لمؤلفات هذا الشاعر الذي ارتبط اسمه بمتغيرات وتحولات كبيرة في الشعر والثقافة الأمريكية.

والكتاب يستعرض جوانب مهمة من حياة كوفمان، التي كان لها أثره المباشر في أسلوبه ومواضيعه الشعرية، فقد ولد عام 1925، في نيو أورليانز، لأب ينحدر من أصول ألمانية، وأم سوداء من جزيرة المارتينيك.

جدة بوب كوفمان ذهبت إلى الولايات المتحدة، عبر سفينة تقل العبيد من إفريقيا، وكانت تلك الجدة تنتمي «لطائفة الفودو» تمارس الطقوس السحرية لتلك الجماعة، وبالتالي انعكست تلك الهجنة التي تضم عدداً من العرقيات والثقافات، داخل خطابه الشعري.

وقد عمل في صباه الباكر بحاراً في الأسطول البحري التجاري الأمريكي، وقد ساعده ذلك في التنقل إلى أرجاء كثيرة من العالم، أثناء الحرب العالمية الثانية، وتعرض لحوادث كثيرة، ونجا من الغرق مرات عديدة؛ لكنه في ذلك الترحال الدائم، كان يلجأ إلى الكتاب؛ حيث تعددت قراءاته، فاطلع على الأدب والفكر والتاريخ والفلسفة، فتكونت عنده ملكة الشعر، الذي كان ملاذاً وسلاحاً يدافع به عن نفسه، ويعبر من خلاله عن دواخله بعد أن ترك حياة الملاحة.

عاش كوفمان حياة قاسية ومظلمة في زمن سادت فيه العنصرية؛ حيث تعرض للسجن مرات عدة، ولوحق بتهمة الشيوعية، وعانى العنصرية خاصة وهو متزوج من امرأة بيضاء، إلا أنه ناضل من أجل أن يبقى متماسكاً، فكان أن درس الأدب في مستهل أربعينات القرن الماضي في نيويورك؛ حيث تعرف هناك إلى الشاعرين الأمريكيين المتمردين ألن جينسبيرج، وجاك لويس كيرواك، الذي وصف شعر كوفمان وحياته بالقول: «حياة بوب كوفمان كتبتْ على المرايا بالدخان»، كما تعرف إلى الكاتب ويليام سيوارد بوروز، إلا أن كوفمان سرعان ما ترك مقاعد الدراسة، ليعيش هائماً في سماوات الشعر، وقد التزم بنذر بوذي في الصمت لأكثر من عشر سنوات ولم ينشر أياً من دواوينه؛ حيث قامت زوجته بجمعها وتحريرها ونشرها.

والكتاب صدر في 216 صفحة من القطع المتوسط، وإلى جانب النصوص، فهو يكشف عن الميزات الخاصة لشعر كوفمان، كصوت مختلف وثري، ترك أثراً كبيراً وعميقاً في خريطة الشعر الأمريكي خلال الخمسينات، وقد اعتبرت قصائده أحد المصادر الأساسية المؤثرة في تجربة «جيل بيت»؛ تلك الحركة الأدبية التي تشكلت من مجموعة من الكُتّاب الأمريكيين، الذين أثرت كتاباتهم في الثقافة في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وقد لقب كوفمان بـ«الأستاذ الخفي لجيل البيت»، نسبة لتأثيره العظيم في تلك الحركة.

وعلى الرغم من الأثر الكبير الذي أحدثه كوفمان في الشعر والثقافة الأمريكيين، فإنه لم يحظ بالدراسة الكافية داخل الولايات المتحدة، إلا مؤخراً، على الرغم من أن شعره قد وجد صدى كبيراً خارج أمريكا؛ حيث لقب في فرنسا بـ«رامبو الأسود»، أو «رامبو أمريكا»، من فرط حبهم وتعلقهم بطريقته وأسلوبه الشعري.

لقد استطاع كوفمان، على الرغم من تمرده وعدم خضوعه للنظم الاجتماعية وثورته في وجه العنصرية، أن يفرض نفسه على خريطة الشعر الأمريكي؛ بل عرف كواحد من مجدديه الكبار. وقد أشاد به الشاعر لورنس فرلنجيتي، أحد عرابي «جيل بيت». وقال: «كان صوتاً أصيلاً، لا أحد تحدّث مثله، ولا أحد كتب الشعر مثله»، فيما قالت عنه صحيفة نيويورك تايمز: «يبدو مثل إنسان هبط من السماء كما يهبط نيزك».

وقد ترجمت أشعار كوفمان في وقت مبكر إلى عدد من اللغات منها: الفرنسية، ثم إلى الإسبانية والألمانية والإيطالية والبرتغالية، لقد كان كوفمان سريالياً ووجودياً، تأثر بأعمال لوركا وخاصة ديوانه «شاعر في نيويورك».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"