رمضان.. وبشائر الأمل

00:53 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

يهل علينا شهر رمضان حاملاً إلينا رياح الأمل ومبشراً لنا بأيام ملونة بألوان الفرح والبهجة التي اعتدناها على مر السنين، وافتقدناها العام الماضي.. يهل علينا وقد أزيح عنا كابوس عشناه في رمضان الماضي، حين فُرض علينا تأجيل الحياة، وأغلق العالم الأبواب والحدود والبحار والأجواء، احترازاً من آثار كابوس كورونا الذي نشر اليأس في الكون.. هذه المرة، بشائر شهر الخيرات والبركات آتية مع انتشار الأمل بفعل اللقاحات المتعددة التي أفرزها العقل البشري وستمكّنه  في القريب العاجل  من حسم معركة البقاء والقضاء على الفيروس الذي هدد الوجود الإنساني ونشر الخوف لدرجة الهوس من لمس أي شيء وكل شيء، ومن التحدث بشكل مباشر وطبيعي مع أي كان وجهاً لوجه. 

يعود إلينا رمضان، ونحن مستوعبين الدرس، واعين مخاطر التقارب اللامحسوب، مدركين أهمية التباعد الذي لا يمنع التواصل، ولكنه يؤمن الحياة. يعود ونحن عازمون على الالتزام بكل ما يحمي حياتنا من مخاطر كورونا، في المسجد وفي الشارع وفي العمل لن تفارقنا الكمامة التي تحمينا وتحمي مَن حولنا من فيروس متطاير من هذا أو ذاك، ويمكن أن يحرمنا من متعة عبادة الصوم أو يفرض علينا عزلاً نحن في غنى عنه، أو ربما يحرمنا وأي من ذوينا من الحياة. 

سنستمتع بشهر الصوم من دون تجمعات ودعوات وموائد تفرض عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية وتعرضنا لخطر يؤذينا، فالتواصل عن بعد ممكن، والبعد لا يلغي المودة ولا يقلل أسهم من نحبهم، ولو كان البعد مزعجاً للبعض إلا أن الفقد أكثر إزعاجاً وإيلاماً. 

بعكس رمضان الماضي سنذهب إلى المساجد وسنؤدي صلواتنا في جماعة، و«الإجراءات الاحترازية» رفيقتنا، ضماناً لسلامتنا وسلامة من يشاركوننا في أداء الفريضة. 

الأمل الذي يحمله إلينا رمضان هذا العام لا يتمثل في فك أسرنا في معظم البلاد العربية من أغلال الإغلاق، ولكنه يتمثل أيضاً في أن حال بلاد العرب أقل وطأة مما كان عليه العام الماضي، الذي تلوّن خلاله عالمنا العربي بألوان قاتمة بعد أن تحول إلى مرتع لقوى إقليمية ودولية، سعت إلى تفكيكنا ونشر الفتنة بيننا وخلق الفوضى في مدننا وشوارعنا. 

ندرك أن بعض بلادنا ما زالت غارقة في مستنقع الخلاف والتقهقر والخيبات المتوالية، ولكننا أيضاً نرى أمامنا ليبيا تلوح في أفقها انفراجة سياسية تضع نهاية لصراعاتها «المناطقية» وتطرد من على أرضها مرتزقة الحروب وتجار الأزمات، وتعيد إليها أمنها وأمانها المفقود وتضعها على بداية طريق الاستقرار الذي يضمن لأهلها انطلاقة إلى ازدهار مأمول ومنتظر منذ سنوات وعقود طويلة. 

رياح الأمل تهب أيضاً على عراق الحضارة والتاريخ الذي يسعى جاهداً للعودة إلى الحضن العربي، واستعادة مكانته وتأثيره وتأثره بالقرار العربي الجمعي، مؤكداً أن الابن النجيب مهما طال زمن إبعاده عن أهله وذويه، لا بد أن يعود إليهم يوماً ما، مواجهاً القوى التي سعت للاستحواذ عليه والتحديات التي فرضت عليه. 

وعلى الرغم من أن سوريا لا تزال تعاني ولَم تكتف عناصر الشر بما ألحقته بها من خراب ودمار وقتل وتشريد على مدى عقد كامل، إلا أن يقظة العرب بعد المواقف الداعمة لعودتها إلى أمتها وجامعتها يبشر بأمل نتمنى أن يتحقق في أقرب فرصة متاحة، ونأمل أن يكون ذلك عاملاً مساعداً لرفع القوى الأجنبية وجماعات الشر أيديها عن بوابة العرب الشرقية على العالم. 

لم يتحقق كل ما نتمنى وننشد، فلا زال اليمن يعاني تعنت ميليشيات الحوثي وعدم استجابتها للعديد من نداءات السلام والتوافق، وكما ذكرنا سالفاً لا زال لبنان يعاني تحكم قوى خارجية في قراره ومصيره وتسليم مسؤوليه وزعماء طوائفه مفاتيحه لمن يعبثون به، ولا زالت مصر والسودان تنتظران حلاً سلمياً لأزمة سد النهضة الإثيوبي، بما يضمن لشعبيهما حق الحياة، ولا زالت بعض بلادنا مستهدفة من الإرهابيين ومن يريدون العبث باستقرارها، ولكن بشائر الأمل تؤكد أن القادم أفضل، ومثلما تبدلت الصورة من رمضان الماضي إلى رمضان الذي يهل علينا بعد ساعات، نتمنى أن يأتي رمضان وقد تخلصت أمتنا من آلامها وأوجاعها، وتلاحمت دولها لأجل مستقبل يليق بشعوبها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"