العلم منارة الخمسينيتين

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

ليس كل من يصعد إلى القمة يستطيع الحفاظ عليها، ولو نظرنا حولنا لوجدنا صدق ذلك يجسده أفراد ومؤسسات، بل وأيضاً دول نجحت وصعدت وجلست على القمة ولكنها سرعان ما تهاوت وسقطت واستقرت في القاع. الإمارات دولة تعي ذلك جيداً وتضع نصب أعينها التاريخ لتتعلم منه وتستفيد من دروسه وتعي أخطاء الذين انحاز لهم الزمن ونتيجة أفعالهم انقلب عليهم، وصفحات التاريخ استفاضت شرحاً وتوضيحاً لامبراطوريات كانت ملء السمع والبصر ولكن تيار الأيام جرفها إلى غياهب الجب، وأيضاً لأباطرة خدعهم غرور القوة وعنفوان الذات لتقذف بهم شعوبهم إلى حُفر الغضب. 

 الإمارات تدرك أن ثلاثية العلم والعمل والعطاء الإنساني هي الكفيلة بالحفاظ على المكانة التي حققتها، وهي الضمان الأوحد لأجل مزيد من التقدم والانجاز، وهي الحامي من أي خطوات للخلف والدافع للقفز إلى الأمام. 

 العلم أصبح للإمارات وسيلة وهدفاً، وسيلة لتضيف إلى كتاب الانجازات كل يوم جديداً، ولتحافظ على السمعة التي حققتها بين دول العالم، ولتحافظ لمواطنها على مستوى المعيشة المتقدم الذي ينعم به، وأيضاً العلم في ذاته هو هدف، لأنه يمثل الأمل والمعرفة والوعي والفهم والانجاز والتفوق والتقدم والتفرد والتميز والمستقبل.. هو الطريق الأوحد لكل قيمة مأمولة ومعنى جميل في هذه الحياة. 

 خمسون عاماً أوشكت على الانتهاء من عمر الإمارات، حققت فيها الكثير من الإنجازات التي فرضتها قوة فاعلة ومؤثرة في الإقليم وفِي العالم، وجعلتها هدفاً منشوداً للشباب العربي وغير العربي، وها هي تستعد لاستقبال خمسين جديدة، وقد أطلقت فعاليات الاستعداد للاحتفال بالخمسين الثانية بافتتاحات تكرس العلم ملمحاً رئيسياً في المرحلة المقبلة.. العلم الذي يحقق الازدهار الاقتصادي وينقي الحياة من التلوث الذي جثم على صدور العباد وساهم في انتشار الأوبئة والفيروسات اللعينة، ويضمن للأجيال المقبلة حياة مختلفة الملمح والمذاق، وهل أفضل من الطاقة النووية السلمية وسيلة لتحقيق ذلك؟ 

 نعم، الإمارات اليوم دولة نووية، والنووي فيها ليس ذلك السيء السمعة، الذي يهدد بفناء البشر وتدمير الكوكب، بل النووي الذي يمنح الأمل ويزين الحياة ويجعل الصعب سهلاً والمستحيل ممكناً. نووي محطات براكة التي تم افتتاح أول مراحلها قبل أيام هو الذي تحتاجه الإنسانية لتنعم بالرخاء ولتعيش في سلام و لتسود بين أبنائها قيم التسامح والأخوة الإنسانية. 

 التشغيل التجاري لبراكة، خطوة أولى على طريق طويل بدأته الإمارات نحو المستقبل، طريق تم تمهيده بما يضمن تحقيق الطموح اللامحدود في هذا المجال. 

 ومثلما تسعى الإمارات لتأمين المستقبل لأبنائها بالعلم، فإنها تتطلع لتأمين موقع متميز لهم في الفضاء، وصعود الإمارات للفضاء سواء من خلال إرسال هزاع المنصوري إلى المحطة الدولية ليكون أول عربي يحقق هذا الإنجاز، وإطلاقها «مسبار الأمل» إلى المريخ ليكون أول مسبار تصنعه أيادٍ إماراتية شابة يصل إلى المريخ، لم يكن مجرد نزهة في الفضاء ولَم يكن بهدف استعراض العضلات، ولن يكون مجرد حلم تحققه لتغفو بعده سنوات ارتكازاً عليه، ولكنه خطوة أولى في طريق تكريس ذاتها قوة فضائية عالمية تحلق جنباً إلى جنب مع كبار العالم لسبر أغوار الفضاء وكشف أسراره، وها هي تعلن عن رائدين جديدين للفضاء، محمد الملا ونورا المطروشي والتي ستكون أول رائدة فضاء عربية، ومن يطلع على السيرة الذاتية للرائدين الجديدين واللذين تم اختيارهما من بين أربعة آلاف متقدم يدرك أن الإمارات تضع معايير علمية شديدة الدقة لاختيار روادها، فكلاهما حاصد لجوائز عالمية وشهادات تفوق مهنياً وعلمياً، كما تستعد لاستكشاف القمر من خلال مشروع «راشد» الذي تم انجاز نصفه حتى الآن. 

 أما بالنسبة للعمل، فإن الإمارات التي رفعت مراراً شعار «لا مستحيل»، تعي جيداً أن العمل وليس سواه هو السبيل للحفاظ على المكتسبات ومضاعفة الإنجازات وتعظيم الطموحات، وعندما يتم تغليف النجاح بالعطاء الإنساني بجانب العمل والعلم، تكون للنجاح مشاعر وللقمة أحاسيس، وعطاء الإمارات لم يتوقف على مدار الخمسين الأولى وشهد له العالم في ظل كورونا، وكانت آخر حلقاته ال ١٠٠ مليون وجبة التي تم الإعلان عنها الأسبوع الماضي، وسيتواصل ويتضاعف في الخمسين الثانية.

 العلم منارة الخمسينيتين، ومع العمل والعطاء يشكل ثلاثية نجحت بها الإمارات الفتية وستظل لها منهجاً للعبور إلى المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"