رمضان والشعر

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

يبحث الشاعر عن قصيدته في أي مكان، فهي نجمة عالية في السماء، وشجرة كبيرة كثيرة الأغصان تتحرك داخل الوجدان؛ تولد في لحظة مثل العصفورة التي تضع وليداً جديداً ليزداد عدد المغردين في كل مكان.. هكذا يكسب الشعر قصيدة من على غير قصد.
وفي رمضان يعيش الشاعر في عالمه الخاص الذي يسعى به إلى أن يمسك بين أصابعه حبّات الخير، وهو ماض في طريق كلما مر عليه الوقت ينظر أكثر إلى السماء، طمعاً في الهبات السماوية والنفحات الربانية، ومع كل هذه الأشياء ينفض الدنيا وينظر إلى الفوز بأثمن الأوقات وأغلاها في الحياة، لكن ما نصيب الشعر من رمضان؟ هل يخمد ويتوارى أم يصعد ويحقق الغاية؟
الحقيقة أنه كلما اعتقد الشاعر أنه غير قادر على فعل أيِّ شيء سوى ما يفرضه الشهر الفضيل عليه من أولويات، يجد أن الشعر تصعد حركته كلما قرأ الشاعر كثيراً في كتاب الله عز وجل، حيث مواطن اللغة المعجزة، فتتحرك بداخله الكلمات، فينظمها في عقد الإيقاع لتتوالد في هذه الأيام المباركة. 
وقد أيقن الشاعر أنه لا يمكن أن يكبح جماح الشعر في نفسه، خصوصاً أن وتيرته تزداد بصورة غير متوقعة، والتجربة شاهدة على ذلك، فمهما قرر الشاعر أن يتفرغ للعبادة، وكل ما يحيط الشهر المبارك من فضائل، فإن الشعر لن يتوقف بأي حال من الأحوال، والشعر الذي يأتي في رمضان له جماله الخاص، فهو يأتي في حالة خاصة حين يكون الشاعر ماضياً في عالمه الشفّاف ينظر إلى الآخرة وثوابها، ويتمعن في اللغة وجمالها، فكيف له أن يغض الطرف عن بيت شعر يسبح في نفسه فجأة، إنه يرحل بعيداً مع القصيدة ويمتثل للصوت القوي الذي يتحرك في داخله، فرمضان والشاعر لهما خصوصية، وليس بمقدور شاعر أن يقول إنه سيتخلى عن الشعر في الشهر الكريم؛ إذ أثبتت التجربة أن أعظم القصائد أحياناً كُتبت في مثل هذه الأيام، حيث قريحة الشاعر دائماً تجود بالخيال، وتتأثر بما يصبّ في وجدانه من جمال، وفي مثل هذه الأوقات ترتقي النفس وتسمو، وتعيش في عالمها الإنساني الواسع. 
والشاعر بطبيعته يعيش اللحظة؛ لذا لا يستطيع أن يتخلى عن تاريخ طويل من الشعر والكلمات التي تتأرجح في الذات، وهي تبحث عن موطن الدهشة وتفتش عن وجودها، فالقصائد في رمضان لها فرحة أخرى؛ لأنها تكمل لدى الشاعر مشاهد الأحلام والأضواء التي تشع في الروح بفضل الحالة الوجدانية المشبعة بالجمال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"