عادي
مع انتشار آليات العمل بسبب جائحة «كوفيد-19»

«وادي السيليكون» يواجه شبح العقارات الفارغة ويطرح التأجير من الباطن

00:08 صباحا
قراءة 6 دقائق
سان فرانسيسكو
  • فرصة نادرة للشركات للحصول على إيجارات مخفضة بالأشهر الـ 9 المقبلة
  • حجم المساحات المكتبية المتاحة للإيجار من الباطن ارتفع ثلاثة أضعاف

إعداد: هشام مدخنة

مع بدء جائحة فيروس «كوفيد-19»، نقلت شركة التحليلات البرمجية «كلاوديرا»، مئات الموظفين من مكاتب الشركة في وسط مدينة سان فرانسيسكو، وبالو ألتو بكاليفورنيا، إلى مقر الشركة جنوباً في سانتا كلارا في «وادي السيليكون»، مع خطط لتأجير المساحة الفارغة من الباطن. لكن الوباء ترك تلك المكاتب فارغة من دون وجود مستأجرين بديلين، ما أجبرها على شطب كميات كبيرة من العقارات.

وفي المقر الرئيسي السابق لـ«دورداش»، تخلف المستأجر الجديد عن سداد الإيجار بعد شهر من الإغلاق، ما أدى إلى خسارة كبيرة في الدخل لمنصة توصيل الطعام، والتي كانت تسير في خط تصاعدي من قبل.

من جانبها أعلنت «إير بي إن بي» تحمّلها نحو 113 مليون دولار في الربع الأول، ويرجع جزء رئيسي من ذلك إلى مساحات مكاتب الشركة الفارغة وغير الضرورية في سان فرانسيسكو.

سُبات عقاري

لقد سجلت هذه الشركات الثلاث مجتمعة ما يقرب من 200 مليون دولار من الخسائر العقارية خلال 2020 بعد أن حوّل «كوفيد-19» سوق مكاتب منطقة خليج سان فرانسيسكو إلى منطقة أشباح. ويتضخم هذا الرقم إلى ما يقرب من مليار دولار بعد إضافة عمليات شطب العقارات من قبل أصحاب الشركات التقنية العملاقة الأخرى، مثل «سيلزفورس»، و«دروبوكس»، و«أوبر»، و«باي بال»، و«زينديسك».

وعلى عكس الانطلاقة الصاروخية لشركات البرمجيات والإنترنت في عام 2020 والتي فرضتها ظروف العمل والتعلم والمؤتمرات عن بُعد أثناء الوباء، بقيت المكاتب الفخمة، التي لطالما كانت بمثابة منازل للموظفين، في حالة سبات دائم، تاركة سوق العقارات التجارية في خليج سان فرانسيسكو مع وفرة غير مألوفة في العرض. وارتفع حجم المساحات المكتبية المتاحة للإيجار من الباطن أكثر من 3 أضعاف في المنطقة خلال الجائحة.

وتحملت شركات التكنولوجيا الكثير من التداعيات المالية، وهي التي قادت لسنوات سوقاً صاعداً ومتوسعاً، واستحوذت على كميات هائلة من المساحات بأسعار قياسية، وغالباً ما كانت تؤجر طوابق كاملة للشركات الناشئة ممن كانت تبحث عن موقع لها في منطقة الخليج.

الإيجار من الباطن

اليوم، ومع نهاية الربع الأول من عام 2021، ارتفعت مساحة الإيجار الشاغرة من الباطن في سان فرانسيسكو إلى 9.7 مليون قدم مربعة، بعد أن كانت نحو 3 ملايين قدم مربعة في أواخر عام 2019، وشكّلت 40% من جميع المساحات التجارية المتاحة في المدينة، وفقاً لشركة العقارات التجارية «أفيزون يونج».

وقال مارك كوت، مؤسس شركة «تي ثري أدفايزرس»، وهي شركة عقارية تركز على التكنولوجيا وتساعد المستأجرين في خطط نموهم: «سيكون لدى الشركات التي تبحث عن مكتب في سان فرانسيسكو فرصة نادرة خلال الأشهر التسعة المقبلة للحصول على خصم من قيمة الإيجار».

في المقابل، وعلى عكس الملاك التقليديين الذين يترددون في تخفيض أسعار الإيجارات، تُقدم شركات التكنولوجيا التي لديها مساحات زائدة، أسعاراً مخفضة للإيجارات وتكون على استعداد لتحمّل الخسارة، لأنها اختبرت بالفعل الضرر الذي حصل في عام 2020. مضيفاً أن الشركات التي تدفع 90 دولاراً للقدم المربعة قد تعرض إيجارات من الباطن مقابل 20 إلى 25 دولاراً أقل.

وقال روبرت سامونز، خبير أبحاث العقارات، إنه إضافة إلى تلك الخصومات، فإن الشركات تضع بعض الحوافز أمام المستأجرين مثل الإيجار المجاني لمدة من الزمن، وبدلات تحسين المستأجر الإضافية.

العثور على مستأجرين

ولا يزال من الصعب العثور على مستأجرين حتى مع الخصومات والحوافز، بسبب البطء الحاصل في إعادة فتح منطقة خليج سان فرانسيسكو، ولا يزال أيضاً وسط المدينة فارغاً إلى حد ما، بالرغم مع معدلات التطعيم العالية في المدينة وانخفاض حالات الإصابة بـ«كوفيد-19».

وتمكنت شركات التقنية من الحفاظ على إنتاجية موظفيها الذين يعملون من المنزل، ما خفف الضغط على عملية إعادتهم إلى المكتب، وزاده بالمقابل على سوق العقارات المتداعي، ودفع العديد من هذه الشركات إلى البدء بالتخطيط لمستقبل هجين مع حاجة أقل للعقارات.

وارتفع معدل المكاتب الشاغرة الإجمالي في سان فرانسيسكو من 6% في العام الماضي إلى 18.7% في الربع الأول لهذا العام، وهو أعلى مستوى منذ 2005، عندما كانت المدينة لا تزال تتعافى من انهيار «دوت كوم».

وتضخمت الأرقام أيضاً في أسواق المكاتب الرئيسية الأخرى، مثل نيويورك وشيكاغو، لكنها لم تصل لمستويات سان فرانسيسكو، لأن تلك المدن أقل اعتماداً على قطاع التكنولوجيا، وهي الصناعة الأكثر انجذاباً للعمل عن بُعد.

وبالعودة إلى «كلاوديرا» للبرمجيات، وفي ظل عدم وجود أحد لشغر مكاتبهم الفارغة، تحملّت الشركة رسوماً بقيمة 35.8 مليون دولار العام الماضي.

وقال رئيس الشركة مايك هوليسون: «قبل بضع سنوات فقط، كنا نُحسد على وجود مكتبنا في بالو ألتو، والآن أصبح من الصعب جداً تأجيره من الباطن»، مضيفاً أنه يتوقع عودة نحو نصف موظفي «كلاوديرا» إلى المكتب هذا العام، وسيأتي الكثيرون منهم لجزء فقط من الأسبوع، مع بقاء نحو 25% يعملون عن بعد بشكل دائم.

وفي مكان آخر في سان فرانسيسكو، تعرضت «دورداش» لهزة مالية عقارية قدرها 11 مليون دولار خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2020. وقالت منصة توصيل الوجبات عبر التطبيق في نشرة الاكتتاب العام الأولي الخاصة بها، إن النشاط الإيجاري قد تعطل بسبب فيروس كورونا، وإنها لن تقوم بسداد أي دفعة إيجار شهرية في المستقبل القريب.

أما «إير بي إن بي» فقد أضافت رسوماً قدرها 113 مليون دولار في الربع الأول من عام 2021 إلى 35.8 مليون دولار من انخفاض قيمة الإيجار العام الماضي.

وقامت شركة بتأجير مساحات الغرف والعطلات بتسريح نحو 25% من موظفيها قبل عام مع انهيار سوق السفر.

وبعد أن خفضت شركة خدمات نقل الركاب «أوبر» نحو 20% من قوتها العاملة في وقت مبكر من الوباء، وجدت نفسها أمام الكثير من العقارات الفارغة المستأجرة باسمها. وقالت الشركة في تقريرها السنوي لعام 2020 إنها أخلت بعض المكاتب وأتاحت تأجيرها من الباطن، ويرجع ذلك أساساً إلى سياسات البقاء في المنزل في مدينة سان فرانسيسكو، وعمليات إعادة الهيكلة لديها. وسجلت الشركة خسائر في قيمة الإيجارات للعام بنحو 94 مليون دولار.

وفي السياق ذاته، انخفضت المساحات المكتبية لشركة البرمجيات السحابية «دروبوكس» إلى 418 ألف قدم مربعة، بعد أن أعلنت الشركة عن خططها للعمل عن بعد. وتحمّلت «دروبوكس» مبلغاً قدره 400 مليون دولار العام الماضي، تلاه مبلغ 17.3 مليون دولار إضافي في الربع الأول لهذا العام.

ووفقاً للتقرير السنوي لشركة «سيلزفورس» التقنية، أكبر جهة توظيف خاصة في سان فرانسيسكو، بلغت الخسائر نحو 216 مليون دولار العام الماضي بسبب عقود إيجار عقارات في مواقع محددة قررت الشركة إخلاءها.

عودة النشاط

ومع ذلك، قال سامونز، إن النشاط العقاري آخذ في الانتعاش، وبلغ طلب المستأجرين أعلى مستوياته لما قبل الوباء، ما يشير إلى وجود مزيد من الشركات التي تبحث عن مساحة عقارية. كما ازدادت أيضاً حركة الإيجارات من الباطن بين الشركات. حيث استحوذت شركة برامج التصميم «فيجما» على أكثر من 100 ألف قدم مربعة من مساحة وسط المدينة من «كرديت كارما»، التي نقلت مقرها الرئيسي إلى أوكلاند.

ووجدت «دروبوكس» مستأجرين لمساحات كبيرة من عقاراتها الشاغرة أيضاً. مثل شركة «بريدج بيو» الدوائية، التي استأجرت مؤخراً نحو 53 ألف قدم مربعة من مكاتب «دروبوكس». وبينما قد تضطر شركة الحوسبة السحابية الرائدة إلى الاعتماد على الخصومات والامتيازات الأخرى لجذب المستأجرين المحتملين، فإنها في وضع فريد لجذب شركات التكنولوجيا الحيوية إلى مقراتها التي تقع في منطقة تسمى «ميشن باي» المملوءة بالمراكز الطبية، والمخصصة لشركات لهذا النوع من الأعمال.

وقالت الشركة في تقريرها ربع السنوي الأخير: إنها تتوقع تحقيق دخل إضافي من الإيجار من الباطن وتوفير بعض المال من خلال الانتقال بعيداً، إلا أن الضمانات غير موجودة.

البقاء في قلب الحدث

ويتوقع مارك كوت من «تي ثري» انتعاش قطاع العقارات في خليج سان فرانسيسكو مرة أخرى، حتى في ظل تحوّل أكثر من 20% من الوظائف إلى نظام العمل عن بعد بشكل دائم وقال إنه يتعين على أرباب العمل في مجال التكنولوجيا أن يكونوا أكثر مرونة وعقلانية في ما يتعلق بمساحاتهم المادية، لأنهم ما زالوا يريدون أن يكونوا في قلب الحدث.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"