العيد آخر ما تبقى لنا من الفرح

23:53 مساء
قراءة دقيقتين

محمد عبدالله البريكي

العيد هو آخر ما تبقى لدينا من أمل في أن نستريح قليلاً على ضفافه مما تركه الزمن من ندبات على حريتنا في عالم يئن تحت وطأة الخوف من المجهول بعدما كبل كوفيد 19 الخطى وأوقف ساعة الزمن.. في العيد تمتد فرحتنا بحثاً عن شجرٍ كثيرٍ، وظلالٍ تكفي لكي نستعيد جزءاً من عافيتنا، والجميع كانوا ينتظرون هذه اللحظة التي تبتسم فيها الوجوه وتتصافح فيها القلوب ويملأ الأطفال الشوارع وتسكن الحياة من جديد في منازلنا، فهكذا نرى العيد على أنه المخلّص من نوبات الألم وصيحات الحزن وأوقات الضجر، وأكثر برهان على أن العيد هو فرحتنا تلك اللهفة التي تملأ عيون الكبار والصغار لمنظر اليوم الجديد والأيام التي تضمد الروح بالأمل.

وللمرة الرابعة والعيد لا يزال يعاني من إقامة غازٍ حسبناه سيقضي أياماً أو أشهراً ثم يمضي، مخلّفاً وراءه بعض الخيبات والخسائر والفقد، لكن هذا المحتلّ أصر على أن يثقل كاهل الأرض كلها بإقامته الطويلة التي لا يرحب بها أحد، لكن الحيلة ضعفت، والحلول قلّت، وكم من مرةٍ انتظر فيها العالم خبراً يفيد برحيله، فيأتي خبر مؤلم يفيد بوصول بعض الإمداداتِ من أفراد عائلته «المتحوّرات» لمشاركته الإقامة بيننا، ولا يزال الرعب قائماً والمستقبل ضبابيّاً، والأرواح منهكة من المسحات واللقاحات التي لم تستطع الحد من الإجراءات الاحترازية التي أصبحت هم الناس الجاثم على صدورهم.

إنه الوباء الطويل الذي يغيّر جلده كالثعبان، ويتمدد كالأخطبوط، ونحن نبحث عن الفرح في كل إفادة تتحدث عن إحداثياته.

ومع كل هذا الانغماس في القلق، إلا أن أيام العيد تأبى إلا أن تعلن عن تحديها لهذا الضيف الثقيل، وتُخرج الناس من العزلة التي فرضها على الكون إلى فضاء الفرح، فتغتسل الأرواح بمائه، وتتعطر بعطائه، وتنعم بسخائه.. إنه العيد الذي يعلن دائماً عن هدنة مع الانكسارات، وها هو يعلن في بعض البلدان عن هدنة مع الوباء، فيخرج الناس مندفعين للحرية كما يندفع الماء من السد، تحلق أرواحهم في سماوات البهجة والحرية، يوزعون الورد على الطرقات وهم ذاهبون إلى المصلى، يرشون اللحظات بعطر الفرح وهم عائدون إلى البيوت، يلقون التحية ويتبادلون التهنئة بما استطاعوا من وسائل تجنّب غيرهم الوقوع في براثن هذا الوباء المنهِك، لا يلتفتون إلى وجوده في أيام العيد، لكنهم في حذرٍ دائمٍ من كيده وشره، يمارسون عاداتهم التي تعطي للعيد والحياة أوكسجين البقاء.

إنه العيد الذي يجدد علاقتنا بالأمل، ويربط القلوب بخالقها، فتعلم أن الكون كونه، والأمر أمره، وأنه مهما مكث هذا الوباء، ومهما سبب للأرض من خسائر، إلا أنه لابد أن يمل من المكوث مع عالمٍ يدعو الخالق من أجل أن يرحل، فهو يعلم أن لا أحد يحمل له ذرة تقدير، فالأرواح ترجوه أن يغادر هذه الأرض لتعود إلى طبيعتها، وتتطلع إلى اليوم الذي يعلن عن رحيله، فهو يوم العيد الأكبر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"