عادي

حكم التورق في الفقه الإسلامي

23:01 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

التورق والعينة (بكسر العين) والربا مصطلحات ثلاثة بينها العلاقة الربوية في الشريعة الإسلامية، فالتورق لغةً مصدر تورّق الحيوان أي أكل الورق، والورِق بكسر الراء الفضة مضروبة أو غير مضروبة.
والتورق عند الفقهاء هو أن يشتري الشخص سلعة نسيئة أي بالأجل، ثم يبيعها نقداً لغير البائع بأقل مما اشتراها به ليحصل على النقد حاضراً، وهذا المصطلح بهذا المعنى معروف عند فقهاء الحنابلة فقط.
والعينة معناها في اللغة السلف، وفي اصطلاح الفقهاء أن يبيع سلعة نسيئة أي بالأجل، ثم يشتريها البائع نفسه بثمن نقدي حاضر لكن بأقل منه، كما يقول ابن عابدين في حاشيته، ج٤ ص ١٧٦.
ويلاحظ الفرق بين التورق والعينة أن في التورق يبيع المشتري البضاعة على آخر غير البائع الأول نقداً لمصلحة في نفسه، وفي العينة يبيع المشتري البضاعة على البائع الأول.
والربا يعرف في اللغة بأنه الزيادة، وفي الاصطلاح عقد على عوض غير معلوم التماثل في معيار الشرع عند العقد، أو مع التأخير في البلدين أو أحدهما، كما ورد في مغنى المحتاج، ج٢ ص ٢١.
يلاحظ أن العلاقة بين الربا والتورق والعينة هي أن في كل منها يحصل البائع أو المشتري على الزيادة غير المشروعة.
ولكي نعرف حكمه الشرعي، ينبغي أن نلاحظ الفرق الوارد بين العينة والتورق، وهو أن البائع في العينة يبيع البضاعة نسيئة، أي ليدفع إليه المشتري الثمن مستقبلاً، لكنه يشتريها حالاً من المشتري نفسه نقداً بثمن أقل.
ومثل هذا التصرف اعتبره ابن تيميمة، رحمه الله تعالى، من الحيل الربوية، وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، أرسل الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم)، رواه أحمد وأبو داوود.
وفي حديث آخر استشهد به ابن القيم، رحمه الله تعالى، أن امرأة أبي إسحاق السبيعي دخلت على عائشة، رضي الله تعالى عنها، هي وأم ولد زيد بن أرقم وامرأة أخرى، فقالت لها أم ولد زيد: إني بعت من زيد غلاماً بثمانمئة نسيئة، واشتريته بستمئة نقداً، فقالت عائشة أبلي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب، بئسما شريت وبئسما اشتريت، رواه أحمد (إعلام الموقعين لابن القيم ج٣ ص ٢١٥ و٢٢٠).
هذا البيع بهذه الصورة حرمه ابن تيمية وابن القيم واعتبراه بيع المضطر، وقد ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع المضطر وبيع الغرر وبيع الثمرة قبل أن تدرك، رواه أبو داوود.
وقد تحدث ابن القيم عن الفرق بين العينة والتورق فقال: هذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهو العينة، وإن باعها لغيره فهو التورق، وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو محلل الربا، والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون، وأخفها التورق وقد كرهه عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه (راجع المصدر نفسه).
أما جمهور العلماء غير الحنابلة فإنهم يرون التورق مباحاً لقوله تعالى: وأحل الله البيع، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعامله على خيبر: بع الجمع بالدرهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً، رواه البخاري.
وقد بينا أن الحنابلة هم الذين اصطلحوا مصطلح التورق وبذلك فرقوا بين العينة والتورق، فالعينة متفق عليها بأنها من البيوع الفاسدة لأنها طريق إلى الربا، والتورق مكروه عند الحنابلة.
أما الجمهور فقلنا بأنهم لم يسموه هذه التسمية، لكنهم أباحوا أن يشتري الرجل سلعة إلى أجل، وإذا احتاج إلى نقود باعها على رجل آخر غير البائع الأول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"