عادي

كيف يرهب النيوزيلنديون خصومهم؟

12:01 مساء
قراءة 6 دقائق
لاعبو منتخب نيوزيلندا للرجبي يرعبون خصومهم بالرقصة
لاعبو منتخب نيوزيلندا للرجبي يرعبون خصومهم بالرقصة

إعداد: معن خليل
يؤدي لاعبو نيوزيلندا رقصة «الهاكا» في جميع مبارياتهم التنافسية في الرياضات التي تمارسها منتخباتهم الوطنية أو الأندية، ويقال إنها تستعمل لإرهاب منافسيهم، وهي انتشرت بشكل واسع في السنوات الأخيرة إن كان لأسباب فكاهية أو دعائية، وأداها آخرون في مواجهة النيوزيلنديين أنفسهم.
ماهي رقصة «الهاكا» وأشهر من أداها؟ 
مما لاشك فيه أن نادي ميلان الإيطالي أشهر من أداها في كرة القدم، ففي عام 2016 التقى الفريق «اللومبادردي» فريق كاربي الذي كان صاعداً وقتها حديثاً إلى الدرجة الأولى، وأدى لاعبو ميلان قبل بداية اللقاء رقصة «الهاكا» لأسباب دعائية ضمن الترويج لمنتج حلاقة، لتنهال عليهم تعليقات السخرية بعدما فشلوا في الانتصار واكتفوا بتعادل سلبي مخيب لآمال جماهيرهم.
لكن رقصة ميلان أكدت أن «الهاكا» لم تعد محتكرة كما كانت سابقاً على لعبة الرجبي وتحديداً منتخب نيوزيلندا أحد أقوياء هذه الرياضة والمعروف باسم «أول بلاكس».

باكا يؤدي الرقصة النيوزيلندية بقميص ميلان
باكا يؤدي الرقصة النيوزيلندية بقميص ميلان

رقصة تقليدية
و«الهاكا» هي الرقصة التقليدية للماوريين سكان نيوزيلندا الأصليين، علماً أن منتخب نيوزيلندا للرجبي يقوم بأداء هذه الرقصة قبل بداية كل مباراة وهو دأب على فعل ذلك منذ عام 1888، وإن اشتهر بها إعلامياً خلال أول كأس عالم للعبة والتي أقيمت عام 1987.
ومن المفارقات أن منتخب نيوزيلندا للرجبي كان تعرض للمسألة عندما قام لاعبوه بأداء رقصة «الهاكا» خلال مباراة لهم على ملعب تويكنهام في لندن عام 2009، حيث ادعت «رويال شكسبير كومباني»، وهي شركة بريطانية كبرى للمسرح أن «الهاكا» رقصة ترتبط بالتراث الإنجليزي وليس النيوزيلندي، ولقد اعتادت بعض فرق الشركة على أدائها خلال بعض أعمالها. 
ومهما يكن من أمر الادعاء البريطاني، فإن «الهاكا» هي نيوزيلندية الأصل، ولقد رأها الإنجليز لأول مرة في الملاعب الرياضية عبر منتخب الرجبي للدولة التي استعمروها سابقاً وذلك خلال زيارة له للمملكة المتحدة عام 1888، كما أداها نفس الفريق في عام 1903 خلال جولة في أستراليا، ثم أصبحت تقليداً راسخاً عند فريق «أول بلاكس» منذ 1905.
رقصة ليون
تاريخياً، فإن هناك القليل من لاعبي كرة القدم الذين اختاروا أداء الرقصة، وتعود لنادي ليون حصرية احتفاله بها لأول مرة وذلك يوم 15 إبريل عام 2006 بمناسبة نيله لقبه الخامس في الدوري الفرنسي.
ولرقصة «الهاكا» التي أداها اللاعبون قصة، حيث كانوا يتابعون لقاء ناديي ليل وبوردو من مقر إقامتهم في العاصمة الفرنسية حيث كانوا يتأهبون للقاء باريس سان جيرمان في اليوم التالي، وبفوز ليل 3-2 أحرز ليون اللقب رسمياً قبل أن يخوض مواجهته المرتقبة ليخرج اللاعبون من الفندق وهم في حالة فرح ويحتفلوا بالتتويج عبر أداء رقصة «الهاكا» التقليدية للماوريين، وكان في طليعة المحتفلين بهذه الطريقة لاعبهم المالي السابق ماحمدو ديارا الذي علم زملاءه أسلوبها الشيق.
ولم يكن هناك الكثير من الاحتفالات برقصة «الهاكا» في ملاعب كرة القدم إلا فيما ندر، والمفارقة أن معظمها حدث عام 2015، حيث فاجأ الإيطالي غرازيانو بيلي مهاجم نادي ساوثمبتون الإنجليزي الجمهور بوصلة ممتعة مع المعالج الطبيعي للفريق النيوزيلندي غراهام ستاديون بعد تسجيله هدفاً لفريقه.

الإيطالي بيلي لاعب ساوثمبتون يحتفل برقصة الهاكا في الدوري الإنجليزي
الإيطالي بيلي لاعب ساوثمبتون يحتفل برقصة الهاكا في الدوري الإنجليزي

وجاءت احتفالية بيلي مع المعالج الطبيعي لتثير سعادة الهولندي رونالد كومان مدرب ساوثمبتون وقتها والذي كشف أن سبب أداء هذه الرقصة يعود لأن اللاعب الإيطالي أراد مشاركة الطبيب النيوزيلندي فرحته بفوز منتخب بلاده بكأس العالم للرجبي عام 2015.
وإذا كان بيلي أراد تهنئة المعالج الطبيعي للفريق برقصة تعد تراثاً في بلاد الأخير نيوزيلندا، فإن المفارقة أن أول حالة سجلت في ملاعب كرة القدم العربية لأداء رقصة «الهاكا» جاءت من فريق الجيش الملكي للسيدات حيث احتفلت لاعباته بهذه الطريقة بعد تسجيلهن للهدف الثالث في شباك النادي البلدي لمدينة العيون في نهائي كأس العرش لموسم 2014-2015 الذي انتهى لصالحهن برباعية نظيفة وتتويجهن للمرة الثالثة على التوالي بلقب البطولة.
كما يعد اللاعب الكولومبي باكا أحد المعجبين بالرقصة ويؤديها بعد تسجيله لأهدافه، وإن كان لا يقدم على ذلك باستمرار بسبب عدم انتشارها في الملاعب الإيطالية كثيراً، بعكس الإنجليزية التي يعرفها الجمهور البريطاني من خلال مباريات منتخبهم للرجبي، إضافة إلى تواجد المنتخب النيوزيلندي الدائم في إنجلترا وهو أدى رقصة تجريبية أمام لاعبي نادي ليفربول احتفالاً وقتها بقدوم مدربهم يورغن كلوب لقيادتهم.
رقصة وتعليقات
وبعيداً عن الرجبي أيضاً، اشتهر منتخب نيوزيلندا لكرة السلة بأداء الرقصة في أكثر من مناسبة، ونالت دائما الكثير من التعليقات حيث مازال البعض يعتبر أنها «حربية» وتشير إلى الخوف وليس المرح والفرح.
ونالت أكثر الرقصات إثارة للجدل من قبل منتخب نيوزيلندا لكرة السلة الضعيف نسبياً في هذه اللعبة بعكس شهرة بلاده في الرجبي، ففي الثاني من نوفمبر عام 2015 وخلال نهائيات بطولة أوقيانوسيا لكرة السلة  قام لاعبو منتخب نيوزيلندا بأداء «الهاكا» قبل انطلاق صافرة الحكم للمباراة التي جمعتهم مع منافسهم التقليدي أستراليا.
 وقد أثارت رقصة «الهاكا» العديد من لاعبي الفريق المنافس أستراليا، ومتتبعي البطولة كما هي العادة في كل مشاركة لهذا البلد في جميع الرياضات، إلا أن هذا النوع من التحضير النفسي لإرهاب المنافسين لم يجد نفعاً مع المنتخب الأسترالي الذي فاز في المواجهة بنتيجة كبيرة ووصل الفارق إلى 12 نقطة 71-59.
مشاهدة عالية
لكن منتخب نيوزيلندا لكرة السلة ورغم خسارته للمباراة أمام أستراليا، روج لثقافة وتراث بلاده بطريقة غير عادية بعدما حققت رقصة لاعبيه خلال اللقاء نسبة مشاهدة تخطت الحد المتوقع عبر قناة الاتحاد الدولي لكرة السلة عبر موقع «يوتيوب»، خاصة أن اللاعبين النيوزيلنديين قد نفذوها بشكل استفزازي ومرعب بصراخهم القوي الذي كان يصدح في الصالة رغم أنهم كانوا يعرفون أن ذلك لن ينفعهم لأن منافسهم يضم نخبة من اللاعبين الذين يلعب معظمهم في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين «إن بي آي».
أما المناسبة الثانية، التي لقيت مشاهدة عالية وإعجاباً منقطع النظير فكانت خلال مباريات المنتخب النيوزيلندي في منافسات كأس العالم لكرة السلة التي أقيمت في إسبانيا عام 2014، حيث قام أعضاء الفريق الأوقيانوسي بأداء رقصة «الهاكا»، الأمر الذي أثار دهشة العديد من اللاعبين والمتتبعين للبطولة.
وكان من بين المباريات التي استأثرت بالاهتمام بسبب الرقصة واحدة أمام المنتخب الأمريكي لكرة السلة المعروف بلقب «فريق الأحلام» الذي بدا على وجوه لاعبيه نوع من الصدمة أثناء قيام النيوزيلنديين بتلك الرقصة، وقد حققت نسبة مشاهدة تخطت المليونين على موقع «اليوتيوب»، الأمر الذي وجد استحساناً واسعاً عند المنظمين في الاتحاد الدولي لكرة السلة، وإن كان اللقاء جاء سهلاً للغاية لأمريكا التي فازت وقتها 98-71.

لاعبو منتخب نيوزيلندا للسلة يؤدون الرقصة تحت أنظار لاعب أمريكي
لاعبو منتخب نيوزيلندا للسلة يؤدون الرقصة تحت أنظار لاعب أمريكي

خارج الملعب
ويمكن أداء الرقصة خارج الملعب وهي تعني عند الرياضيين النيوزيلنديين نوعاً من التكريم وليس إرهاب المنافسين وحسب، وهذا ما حصل خلال وداع لاعبي منتخب الرجبي لزميلهم الأسطورة جونا لونا الذي توفي في نوفمبر عام 2016 عن عمر يناهز 40 سنة، بعد معاناة مع مرض نادر في الكلى.
وكان اللاعب الدولي السابق لمنتخب «أول بلاكس» تعرض لوعكة صحية في العام 1997، تبين بعدها أنه يعاني قصوراً حاداً في الكلى، ما أجبره على الاعتزال عام 2002، ليخضع بعدها لعملية زرع للكلى عام 2004.
ويعتبر أحد أبرز النجوم في تاريخ رياضة الرجبي وأكثرهم شهرة على المستوى العالمي، إذ مثل نيوزيلندا في 63 مباراة بين عامي 1994 و2002، وأبهر عشاق الرجبي بسرعته الفائقة، إذ كان في إمكانه قطع مسافة 100 متر في توقيت يقل عن 11 ثانية.
وأثناء جنازته قام زملاؤه بوداعه على طريقتهم الخاصة، وذلك بتأدية رقصة «الهاكا» أمام الحاضرين وفي مقدمتهم حاملو النعش.
وكان جونا لومو نفسه شارك بأداء رقصة «الهاكا» في شوارع لندن قبل افتتاح كأس العالم للرجبي 2015، وذلك في ساحة كوفنت غاردن إلى جانب فرقة متخصصة من الماوري تدعى «نغاتي رانانان».
ومن قصص «الهاكا» التي تبين أهميتها في وجدان النيوزيلنديين والتي جعلها منتخب الرجبي أكثر شهرة أن الأخير عندما عاد إلى بلاده حاملاً كأس العالم 2015 لقي ترحاباً كبيراً في مطار أوكلاند الذي غص بنحو 4 آلاف مشجع استقبلوا أبطال العالم بأقمصة الفريق السوداء.
وقام موظفو مطار أوكلاند بلفتة مثيرة ترجمت مدى شغفهم باللعبة الشعبية وسعادتهم بالتتويج العالمي الجديد من خلال أدائهم لرقصة «الهاكا».
وكمنت أهمية الإنجاز وقتها في أن نيوزيلندا أصبحت أول دولة تدافع عن لقبها بنجاح في بطولة العالم للرجبي، وأول دولة تحرز اللقب ثلاث مرات بعد نسختي عامي 1987 و2011. 

الهاكا في ملاعب كرة القدم الأمريكية
الهاكا في ملاعب كرة القدم الأمريكية
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"