المطلوب حلول عصرية لمشاكل قطاع البناء

21:53 مساء

عبدالرحمن خانصاحب *

إن أبرز الدروس المستفادة في ظل التحديات التي واجهها العالم خلال العام الماضي، هو أن قطاع الإنشاءات في مختلف أنحاء العالم بحاجة للتكيف مع الظروف السائدة من أجل الصمود. وقد أدت الجائحة إلى الإسراع بتباطؤ قطاع البناء والإنشاءات حيث كان مصير العديد من المشاريع إما الإلغاء، وإما التأخير، الأمر الذي تسبّب بتأثيرات مضاعفة وكشف بالتالي عن مجموعة من المشكلات الهيكلية المتعلقة بآليات عمل هذا القطاع.

وأظهرت أحدث البيانات أنّ البناء يشكل أكبر صناعة في الاقتصاد العالمي، حيث يساهم بنحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و6.4% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة. وبالتالي، فإن تأمين مستقبل قطاع البناء يشكل ضرورة أساسية لتمكين الاقتصاد العالمي من مواصلة النمو والتعافي من تأثير الجائحة.

وتتعالى أصوات بارزة منذ سنوات عدة داعية إلى إحداث تغييرات جذرية في قطاع البناء. فعلى سبيل المثال، سلّط السير مايكل لاثام الضوء في تقريره الصادر عام 1995 بعنوان «بناء الفريق»، الذي استهدف فيه قطاع البناء في المملكة المتحدة، الضوء على العديد من المشاكل البارزة التي يعانيها القطاع ككل والتي لم يتم إيجاد أي حلول لها بعد، رغم مرور 26 عاماً.

وقد كشف تقرير حديث ل«مييد» أنّ قطاع البناء في الإمارات العربية المتحدة لا يزال يواجه المشاكل التقليدية نفسها، مثل التعامل مع العميل باعتباره خصماً، ودورات الدفع المتأخرة، وإرساء العروض على العطاءات الأقل سعراً. ومع ذلك، ثمة مسألة إضافية تتطلب اهتماماً خاصاً في هذا السياق من أجل ضمان صمود القطاع وهي إحلال العميل في موضع التركيز والصدارة.

فلماذا تعد مركزية العملاء أمراً أساسياً في قطاع البناء؟

تستند هذه المسألة إلى وجود علاقة بسيطة بين المنتج والسعر. فعلى سبيل المثال، إذا أبدى العملاء على وجه عام عدم الرضا بالخدمات أو المنتجات المقدمة، فإنهم سيتردّدون في دفع سعر يساوي القيمة السوقية، كما أنهم سيمتنعون بالتأكيد عن دفع علاوة على المنتجات عالية الجودة إذا كانت الخدمات التي يتم توفيرها مع هذه المنتجات دون المستوى المطلوب.

كذلك، يؤدي الافتقار إلى الجودة والمهنية في خدمة العملاء إلى زعزعة العلاقة مع العميل، الأمر الذي يعيق بدوره تحريك النمو والابتكار في هذا القطاع.

وتجدر الإشارة إلى أنّ قطاع البناء ليس القطاع الأول والوحيد الذي يواجه مشاكل واضطرابات واسعة النطاق، وهو بالتأكيد لن يكون الأخير.

لحسن الحظ، شهد العديد من الصناعات الرئيسية المساهمة في الاقتصاد تغييرات مماثلة، وهناك بالتأكيد دروس يمكن استخلاصها من هذه التجارب.

يتعين على شركات البناء إعطاء الأولوية لخدمة العملاء منتهجة الطريقة نفسها والقدر نفسه من الاهتمام الذي تحظى به قطاعات الأعمال الأخرى.

إن إحداث التحول لا يتطلب سوى بعض التغييرات الهيكلية التي من شأنها أن تؤثر في الجهات الفاعلة في مجال البناء، وأن تعود بالنفع الكبير عليها وتساهم في إيجاد بيئة محورها ثقافة الابتكار. ويقضي التغيير الأول في الاستثمار في الموارد البشرية باعتبارها من الأصول القيمة في الشركة، إضافة إلى تدريب الموظفين وتوجيههم نحو التركيز على العميل أولاً، وتغيير الإجراءات الداخلية بما يتوافق مع الفلسفة الجديدة.

أما التغيير الثاني فهو تطبيق التكنولوجيا لزيادة كفاءة العمليات، وعلى سبيل المثال الروبوتات ذاتية القيادة، والتي بدأ بالفعل استخدامها في الإمارات العربية المتحدة. وقد استخدمت شركة شيندلر مؤخراً نظاماً روبوتياً ذاتي التسلق لتركيب أعمدة أنفاق المصاعد، الأمر الذي قلل من وقت التركيب بنسبة 10 في المئة لكل 100 متر.

ويسمح التغيير الثالث لشركات البناء بدمج نطاقاتها عبر سلسلة القيمة، حيث تكون جهات التوريد والبناء والتصميم والهندسة المعمارية قادرة على التواصل مع بعضها بعضاً في إطار عملها على المشروع نفسه. ويتيح ذلك زيادة التعاون وتعزيز الكفاءات من خلال توفير مركز موحد متعدد الخدمات لضمان مستوى عال من الجودة والخدمات الفعالة للعميل.

ويعتبر القطاع الحكومي من أكبر العملاء في قطاع البناء. والجهات الفاعلة في قطاع البناء ترحب بإطار تنظيمي مدعوم من الحكومة يتيح تهيئة المناخ للاعبين رئيسين يقدمون خدمات متكاملة.

ينصب التركيز حالياً على تشجيع تنمية المشاريع الصناعية، مع قدر أقل من التركيز على المكونات الفردية أو المنتجات. إن إتقان المنتجات، أو مواد البناء، هو أمر أساسي لضمان إحلال العميل في موضع الأولوية والصدارة في قطاع البناء.

وكذلك، يمكن إحداث تحول كبير في قطاع البناء من خلال اتباع نهج ابتكاري يضع معايير موحدة لإدارة سير العمل، من أجل تحقيق التكافؤ في التسعير والتجهيز.

ولإحراز تقدم في هذا الشأن، لا بد لنا من تغيير طريقة تفكيرنا والنهج الذي نتبعه في ما يتعلق بالمنتج النهائي. فلنأخذ المباني على سبيل المثال.. لا توجد حالياً جهة رئيسية واحدة بإمكانها توفير تكاليف صيانة أي مرفق على مدى عمره، ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى غرق السوق في عدد كبير من الموردين الذين يقدمون خدمات مجزأة من دون أي تكامل فيما بينهم. وإذا كان بوسع شركة واحدة أن توفر تكاليف صيانة مبنى بالكامل على مدى عمره، فبوسعنا أن نجد السبل الكفيلة بخفض هذه التكاليف، إما من خلال مكونات أو مواد بناء مستدامة.

وتتمتع دولة الإمارات، بفضل القوانين السائدة، بوضع فريد يسمح لها بإحداث تغيير جذري في قطاع البناء على الصعيد العالمي، وتشجيع الابتكار في الإنتاج، ما من شأنه أن يقود الصناعة نحو الإسهام بدور فاعل في الاقتصاد العالمي. ويشكل قطاع البناء إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها اقتصاد الإمارات العربية المتحدة، حيث ساهمت مشاريع البنية التحتية التي تقودها الحكومة في تحقيق التنمية باعتبارها المحرك الرئيسي للتوسع الاقتصادي الذي شهدته الدولة.

ولا شك، في أن إعداد المبادرات لإرشاد قطاع البناء بالإمارات في مجال التعاون والتآزر من شأنه تهيئة السبيل نحو قيادة الثورة العالمية في هذه الصناعة.

* العضو المنتدب، شركة خانصاحب للصناعات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مدير عام شركة خانصاحب للصناعات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"