تحويل الأزمات إلى فرص

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

تعتمد الدول الصاعدة بقوة في عالم اليوم على تحويل الأزمات إلى فرص، كما تقول القيادة الإماراتية وتفعل دوماً.

يواجه العالم منذ فترة أزمة كونية تتمثل في تسارع التغيرات المناخية بشكل يهدد استدامة الحياة على كوكب الأرض بالشكل الذي نعرفه. وزاد إدراك العالم لخطورة الأزمة مؤخراً مع وصول معدلات الارتفاع في درجة حرارة الأرض إلى الحد الحرج الذي قدره علماء المناخ الدوليون عند 1.5 درجة مئوية. ولأن أهم مسببات التغير المناخي هي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيره من نشاطات البشر لما ينتج عنها من احتباس حراري في الغلاف الجوي، فهناك هرولة نحو تقليل تلك الانبعاثات للحفاظ على نظام الأرض المناخي من الوصول إلى نقطة اللاعودة من التدهور.

قبل ست سنوات، في قمة المناخ العالمية (كوب21) في باريس تم التوصل إلى اتفاقية المناخ التي تضمن أهدافاً محددة وملزمة من قبل أغلب دول العالم للحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. لكن يبدو أنه منذ 2015 حتى الآن، لم يكن الالتزام قوياً حسب تقدير خبراء المناخ في الأمم المتحدة. لذا، تعد قمة المناخ العالمية في جلاسكو (كوب26) فرصة للتصرف السريع «قبل فوات الأوان». وتصور تقارير العلماء والخبراء الوضع في شكل أزمة هائلة تواجهها البشرية، ما جعل كثيراً من الدول الكبرى تعلن عن أهداف طموحة لخفض انبعاثاتها إلى النصف بحلول عام 2030 وأن تصل إلى «صفر كربون» في عام 2050 كما تحدد مبادرة الأمم المتحدة للمناخ أو على الأكثر عام 2060.

تلك الأزمة الكونية ليست بالضرورة كلها أمراً سلبياً، بل على العكس قد توفر فرصاً لتطوير البشرية جوانب كثيرة من نشاطاتها بعد تشبع قطاعات كثيرة ووصولها إلى قرب نهايتها. إنما الفرص هنا من تلك الأزمة متاحة لمن يسارع باقتناصها، ليس عبر «الفهلوة» والادعاء وإنما بالعمل الجاد والتخطيط المسبق. ولن تتوفر عائداتها الإيجابية إلا لمن أدرك حدوثها من قبل وجهز نفسه للنمو الكبير المتوقع فيما يوصف الآن بأنه «الاقتصاد الأخضر الذكي»، أي التنمية المستدامة المعتمدة على الطاقة المتجددة من مصادر «نظيفة» لا تصدر انبعاثات وباستخدام تكنولوجيات متطورة منها الذكاء الاصطناعي.

بداية، فإن الوصول إلى «صفر كربون» لا يعني أن العالم سيتوقف عن استهلاك النفط والغاز، وحتى الفحم الأكثر تلويثاً للبيئة. إنما يعني أمرين: أن تكون الانبعاثات من بلد ما أو قطاع صناعي معين مساوية لالتقاط الكربون من الهواء وتخزينه أو إعادة تدويره – عندها يصل البلد أو القطاع المعني إلى وضع صفر كربون. الأمر الثاني هو الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة من طاقة شمسية وطاقة رياح وطاقة كهرومائية وطاقة نووية وغيرها.

ربما كانت الإمارات من الدول السباقة في المجال الثاني حين أسست شركة «مصدر» التابعة لصندوق الاستثمار «مبادلة» في أبوظبي مطلع هذا القرن. والآن لدى «مصدر» مشروعات طاقة متجددة في قارات العالم تجعلها في وضع متقدم للاستفادة من التوجه العالمي الجديد للتوسع في الطاقة المستدامة.

لكن الفرص التي يوفرها الجهد العالمي المكثف لمكافحة التغير المناخي لا تقتصر على مشروعات توليد الطاقة من مصادر نظيفة. فالنفط والغاز سيظل المحرك الرئيسي لدينامو الاقتصاد العالمي. وبالتالي لن تتوقف انبعاثات الكربون، إنما سيحتاج العالم إلى تطوير تكنولوجيا لامتصاص الكربون من الجو وحفظه أو إعادة استخدامه بشكل غير ملوث للبيئة. تلك التكنولوجيا ما زالت في مهدها الآن، وتحتاج إلى استثمارات هائلة وفرص مشروعات كبيرة. حتى مسألة توليد الكهرباء من مصادر متجددة تحتاج إلى تطوير بطاريات يمكن أن تخزن الطاقة بكميات كبيرة وفترات طويلة. كل هذه الآفاق للتطور التكنولوجي تعني فرصاً هائلة لمن استعد منذ سنوات بتأهيل كوادره البشرية وبتجربة الاستثمار المبكر في مشروعات مماثلة كي يستفيد منها أكثر من غيره.

لكن الفرص أكبر وأوسع من أن يحتكرها أحد، لذا تجد الإدارة الأمريكية الجديدة تطرح حزمة تمويل اقتصادي بنحو تريليوني دولار لمشروعات تعتمد على فرص الاقتصاد الأخضر الذكي. ومؤخراً أعلنت السعودية مبادرة للتحول البيئي تستثمر فيها عشرات مليارات الدولارات على مدى عقد من الزمن. وكذلك تخطط استراليا واليابان وغيرهما. كما أن المنطقة، من المغرب ومصر إلى باكستان والهند، توفر فرصاً واعدة لتطوير توجّه اقتصادي جديد يتجاوز مردوده الاقتصاد لينعكس إيجاباً على البشر والبيئة بشكل أوسع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"