عادي
مسيرة نموذجية وطموح لا ينتهي لتحسين جودة الحياة

الإمارات في مواجهة تحديات المناخ.. استراتيجيات ومشاريع متنوعة

23:48 مساء
قراءة 6 دقائق
محطة براكة.. حلول مبتكرة لكبح التغير المناخي
مدينة مصدر

دبي: يمامة بدوان

اتخذت دولة الإمارات استراتيجيات ومشاريع متنوعة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، لمواجهة تحديات التغيرات المناخية التي تواجه العالم، حيث أدركت مبكراً مدى خطورة العواقب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المترتبة على هذه التغيرات، عبر مسيرة نموذجية، وطموح لا ينتهي، ورغبة صادقة وكاملة نحو تحقيق أعلى المعايير في «جودة الحياة»، بالاعتماد على بيئة نظيفة وخالية من الانبعاثات الكربونية.

تعتبر الإمارات من الدول السبّاقة في المنطقة التي حرصت على مواجهة تحديات المناخ، حيث لها إنجازات مستدامة في شتى المجالات، كما عززت من مكانتها ونموذجها العالمي في العمل المناخي، عبر العديد من المبادرات والمشاريع والسياسات الهامة، منها إطلاق الخطة الوطنية للتغير المناخي لدولة الإمارات 2017 -2050، التي تمثل خارطة طريق لدعم الأنشطة والمبادرات الوطنية الرامية إلى مواجهة التحديات المناخية، من خلال الحد من تداعيات تغير المناخ، وتعزيز تدابير وإجراءات التكيف في دولة الإمارات ضمن إطار زمني يمتد حتى عام 2050، والبرنامج الوطني للتكيف مع تداعيات التغير المناخي. وانطلاقاً من اهتمام الدولة بفئة الشباب وإشراكها في صناعة المستقبل، تم إطلاق استراتيجية شباب الإمارات من أجل المناخ.

مسيرة عقود

على مدار ما يزيد على 3 عقود، بذلت دولة الإمارات العديد من الجهود لتعزيز القدرات المحلية والعالمية لمواجهة التحدي الأكثر خطورة على مستقبل كوكب الأرض واستمرارية الحياة عليه «تحدي التغير المناخي»، فانطلقت مسيرتها في العمل المناخي بتوقيعها وانضمامها إلى اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون في عام 1989، ما يجعل من مسيرتها نموذجاً رائداً للعمل المناخي على المستويين المحلي والعالمي، التي استندت إلى نهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في العمل البيئي منذ انطلاق الاتحاد وتعززت بالرؤى الاستشرافية للمستقبل للقيادة الرشيدة.

وشكلت حماية البيئة والعمل من أجلها الركيزة الرئيسية في نهج الوالد المؤسس، وظهر هذا واضحاً في مشاركة وفد رسمي من دولة الإمارات في أول اجتماع للأمم المتحدة بشأن حماية البيئة بعد تأسيس اتحاد الدولة بستة أشهر فحسب، وخلال العام الأول من عمر دولة الإمارات تم تأسيس الهيئة الاتحادية للبيئة وإطلاق القانون الاتحادي الأول للبيئة.

وفي عام 1975، أي بعد 4 سنوات من تأسيس دولة الإمارات، شكّل الشيخ زايد، اللجنة العليا للبيئة في البلاد. ومع ظهور قضية تآكل طبقة الأوزون للعلن وتحولها إلى قضية ذات اهتمام دولي والإعلان عن اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون، شاركت دولة الإمارات في الاتفاقية، ووقعت على بروتوكول مونتريال الخاص بالمواد المسببة لتأكل طبقة الأوزون عام 1989.

اتفاقية إطارية

وفي عام 1995، أصبحت الإمارات طرفاً في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ما يؤكد أن العمل الوطني الذي بدأ قبل عقود، وأولى البيئة اهتماماً وجعلها خالية من الأمراض التي يسببها التلوث، من خلال التشجير وزيادة الرقعة الخضراء، الأمر الذي أدهش الخبراء، جعل من الدولة تجربة فريدة في الرؤى والجهود التي تحافظ على كوكب الأرض.

وعلى الرغم من أن تصنيف دولة الإمارات ضمن الاتفاقية لا يضعها ضمن الدول الملزمة بتقليل انبعاثات غازات الدفيئة الصادرة منها، إلا أنها عملت بشكل طوعي على إطلاق مبادرات وبرامج تساهم في خفض معدل هذه الانبعاثات، ومن أهمها التوسع في زراعة الأشجار للمساهمة في امتصاص الانبعاثات.

ومع تطور النقاشات والالتزامات القانونية لحراك العمل من أجل المناخ، وبعد إطلاق واعتماد «برتوكول كيوتو» الملزم للدول المتقدمة بأهداف خفض الانبعاثات، صادقت الإمارات في عام 2005 على البروتوكول كأول دولة من الدول الرئيسية عالمياً لإنتاج النفط، ومع تحديث وتطور أهداف العمل المناخي للحد بشكل أكبر من انبعاثات الغازات الدفيئة مع إطلاق اتفاق باريس للمناخ في 2015، سارعت الدولة للانضمام للاتفاق والتوقيع على بنوده كأول دولة خليجية وواحدة من أوائل دول المنطقة، التي صادقت على اتفاقية باريس عام 2016.

الغازات الدفيئة

وفي إطار حماية البيئة والمجتمع والاقتصاد، بذلت دولة الإمارات جهوداً كبيرة للتخفيف من آثار ذلك التغير، ووضعت نصب عينيها أهدافاً أساسية، وهي إدارة انبعاثات غازات الدفيئة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي، والتأقلم مع التغيرات المناخية وزيادة القدرة على التكيف، وتعزيز التنويع الاقتصادي في الدولة من خلال تبنّي حلول مبتكرة بمشاركة القطاع الخاص، كذلك الخطة الوطنية للتغير المناخي 2017-2050، التي تستند إلى رؤية الإمارات 2021، والاستراتيجية الوطنية للتنمية الخضراء والأجندة الوطنية الخضراء 2015- 2030، الأمر الذي أهّلها لتحقيق تقدم كبير في مجال حصر وإدارة انبعاثات غازات الدفيئة باعتباره أول أهداف الخطة.

وضمن جهود الدولة في العمل المناخي، فقد بادرت في ضوء ارتفاع معدل انبعاثات غازات الدفيئة على المستوى الوطني، إلى اتخاذ إجراءات طوعية للتخفيف من تغير المناخ، في إطار جهودها الرامية إلى وضع مهمة خفض تلك الانبعاثات، والتحول إلى الطاقة النظيفة على رأس أولوياتها، حيث قامت بتنفيذ حزمة متنوعة من الاستراتيجيات والمشاريع والمبادرات في مختلف المجالات، أهمها استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، واستراتيجية أبوظبي لإدارة جانب الطلب وترشيد استخدام الطاقة 2030، واستراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050.

الطاقة النظيفة

بدأت الإمارات بإطلاق مجموعة من المبادرات الوطنية واتخاذ سلسلة من التدابير لكبح التغير المناخي والتكيف مع تداعياته في مختلف القطاعات، تستند جميعها إلى استشراف المستقبل وتوظيف التقنيات والحلول المبتكرة وأفضل الممارسات، حيث دشنت في عام 2013 محطة شمس، أولى للطاقة الشمسية في أبوظبي، تلاها تدشين مشاريع مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، وتشغيل محطة نور أبوظبي للطاقة الشمسية في أبوظبي عام 2019، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 1,177 ميجاوات تغطي احتياجات 90 ألف شخص، وتسهم في خفض الانبعاثات الكربونية بنحو مليون طن متري سنوياً، ومشروع براكة للطاقة النووية في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، التي تبلغ الطاقة الإنتاجية للمفاعلات الأربعة 5.6 جيجاوات، وغيرها من المشاريع.

النهج الأخضر

وتبنّت الدولة أحدث التوجهات العالمية لمصادر إنتاج الطاقة، حيث تم إطلاق المشروع الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو الأول من بين العديد من المشاريع في الدولة لتطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر وفتح أسواق الهيدروجين المحلية التي ستخدم مختلف القطاعات.

كما تبنت الدولة نهج العمارة الخضراء في قطاع المباني، لإدراكها أن القطاع من أكبر مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على المستوى العالمي، حيث دفعت إلى تطبيق معايير هذا النهج، بصورة إلزامية في كل من أبوظبي ودبي، إضافة إلى المباني الحكومية.

الحياد المناخي

تتويجاً لجهود الإمارات الهادفة إلى الإسهام بإيجابية في قضية التغير المناخي، والعمل على تحويل التحديات في هذا القطاع إلى فرص، تضمن للأجيال المقبلة مستقبلاً أفضل، فقد أعلنت مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن مبادرتها الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، والتي تهدف إلى مزج مصادر الطاقة المتجددة والنووية والنظيفة، لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية باستثمارات تبلغ 600 مليار درهم، حتى 2050، ورفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة 40%، ورفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الدولة إلى 50%، وتحقيق توفير يعادل 700 مليار درهم حتى عام 2050، إضافة إلى خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة، وغيرها.

أبحاث المناخ

تعد شبكة الإمارات لأبحاث المناخ واحدة من جهود الدولة من أجل المناخ، حيث تعمل الشبكة على سد وتقليل الفجوات المعرفية حول ما تتعرض له الدولة، والمنطقة بشكل عام، من تداعيات للتغير المناخي حالياً، وما ستشهده مستقبلاً عبر بحوث ودراسات وتحليلات علمية متخصصة، وبناء قاعدة بيانات متكاملة، تحدد من خلالها التوجهات واستراتيجيات العمل المطلوبة للتكيف مع هذه التداعيات.

منظمات دولية

تمكنت دولة الإمارات، خلال السنوات الماضية، من استحقاق عضوية العديد من المنظمات الدولية التي من شأنها أن تلعب دوراً مهماً في مكافحة التغير المناخي، ومن أهمها وكالة إيرينا «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة»، والمجلس الأعلى العالمي للطاقة، ومنظمات الأمم المتحدة التي تهتم بمكافحة التغير المناخي، وحققت إنجازات كبيرة على مدى سنوات، وقد دخلت دولة الإمارات ضمن 20 دولة، الأوائل عالمياً في 8 مؤشرات خاصة بالتغير المناخي والبيئة لعام 2020، وتهدف إلى تحقيق الاستدامة في شتى المجالات، وتحويل اقتصاد دولة الإمارات إلى اقتصاد أخضر مستدام يكون قادراً على تخفيض الانبعاثات في القطاعات الاقتصادية كافة، والذي سوف يُسهم بشكل كبير في التصدي للتغير المناخي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"