السبيل نحو تحقيق الاستدامــة الماليــة

21:06 مساء
قراءة 3 دقائق

وليم طعمة *

في إطار الجهود الرامية إلى تمهيد المسار نحو مستقبل مستدام، يحتاج مديرو الاستثمار إلى التركيز على ثلاثة مكوّنات رئيسية، هي البيانات والمعايير والمهارات.

ويغصّ العالم بأعداد كبيرة من مديري الاستثمار الذين يبحثون عن منافذ لتوظيف رؤوس الأموال، ويتمثّل دورهم في تخصيص رأس المال بكفاءة في المشاريع التي توفر أكبر عائد للمستثمرين، مع مراعاة المخاطر المختلفة التي ينطوي عليها الاستثمار المستهدف. ويندرج تغيّر المناخ في إطار هذه المخاطر التي تتزايد تدريجياً من حيث الشأن والأهمية النسبية والتي يتعيّن على مديري الاستثمار عدم تجاهلها.

 وكما رأينا في قمة «COP26» الأخيرة في جلاسكو، يبدو الزخم العالمي تجاه معالجة أزمة المناخ أقوى مما كان عليه في أيّ وقت مضى. ومع استضافة هذه المنطقة لمؤتمر الأطراف المقبل، من المؤكد أن موضوع تغير المناخ سيحظى بأهمية متزايدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فالجهات التنظيمية بدأت باتخاذ الإجراءات وفرض الأنظمة كما أبدى القطاع الخاص إرادة قوية للمشاركة، والأهم من ذلك هو أنّه في ما يتعلق بالخدمات المالية بدأ المستثمرون النهائيون المطالبة باتخاذ التدابير اللازمة. لمواكبة هذا التحول.

ومع ذلك، يجب أن تكون البنية التحتية المالية موجودة للسماح لمديري الأصول بتخصيص رأس المال بشكل فعّال. ويتطلّب ذلك بيانات واضحة وقابلة للمقارنة، وذات جودة من أجل التقييم الصحيح للمخاطر التي تمثلها العوامل البيئية، إلى جانب قضايا المجتمع والحوكمة، ومع ذلك لا تزال هذه البيانات غامضة وغير متوفرة على نطاق واسع. ولا شكّ في أنّ عمل فريق العمل المعني بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ، والمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية، ومجلس معايير المحاسبة المستدامة لإتاحة هذه البيانات في المجلس ومجلس معايير الاستدامة الدولية الذي تم إطلاقه حديثاً، هو بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح.

 وبالنسبة إلى شركات الشرق الأوسط التي تتطلّع إلى استقطاب الاستثمارات الدولية، فإن الحاجة اليوم أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى للمشاركة في هذه المبادرات، ومع ذلك، تفتقر هذه الشركات إلى سجل حافل بأنشطة مماثلة. فمن بين ما يصل إلى 3000 شركة ممن أبدت استعدادها لإجراء عمليات الإفصاح عن الممارسات والمبادرات المتعلقة بالمناخ بموجب الإطار الموضوع من قبل فريق العمل المعني بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ، لا يندرج ضمن اللائحة سوى أربع شركات تقع في منطقة الخليج العربي، إضافة إلى عشر أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومع ذلك، انضمّ كلّ من المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة إلى مبادرة البورصات المستدامة، وحثّت الشركات المدرجة في بورصاتها إلى الإبلاغ عن مقاييس الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بدرجات متفاوتة من النجاح.

 وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أصدرت البورصة السعودية المبادئ التوجيهية الخاصة بالإفصاح عن الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وعممتها على أكثر من 200 شركة مُدرجة في البورضة لإبداء الرأي بها، وفي نهاية عام 2020، سجّل أكثر من 85% من مؤشر تداول لجميع الأسهم ومؤشر ستاندرد أند بورز العربي نتائج الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، بالمقارنة بنسبة 60% في عام 2017. ومع ذلك، شهدت البورصة نشاطاً ملحوظاً بعض الشيء منذ الإعلان في أغسطس/ آب 2020 عن إطلاقها لمؤشر الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات السعودي مع شركة MSCI، وقد اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة إجراءات إضافية حيث حثت جميع الشركات المساهمة العامة المدرجة في بورصتي أبوظبي ودبي على تقديم تقرير الاستدامة في غضون 90 يوماً من نهاية السنة المالية.  وإضافة إلى البيانات، تعاني السوق ثغرتين أخريين. فغالباً ما يتم الترويج للمنتجات الاستثمارية على أنها استثمارات «خضراء» من دون بيان واضح للأهداف، أو وصف لعملية الاستثمار، أو مخطط لأنشطة الإشراف. ونحن نهدف إلى القضاء على هذا «التمويه الأخضر» من خلال معايير الإفصاح العالمية الخاصة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات للمنتجات الاستثمارية التي تم إصدارها مؤخراً. وهي تمثل المعايير الطوعية الأولى المصمّمة لتمكين المستثمرين والاستشاريين والموزّعين من فهم ومقارنة وتقييم منتجات الاستثمار في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بشكل أفضل.

* محلل مالي معتمد، الرئيس الإقليمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

الرئيس الإقليمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"