الحيرة في فهم استراتيجية السياسة الأمريكية

00:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

هذه الكلمة Puzzle، وتعنى الحيرة والارتباك في فهم استراتيجية سياسة أمريكا الخارجية في العالم، وكتب عنها دراسة البروفسور كريستوفر لين الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، والمختصون بتدريس السياسات الدولية، والاستراتيجية العسكرية.

 وحالة الارتباك والحيرة هذه، قد زاد الإحساس بها في فترة رئاسة كل من جورج بوش الابن، ثم باراك أوباما.. ثم عادت تطل على المشهد الأمريكي في بعض مواقف جو بايدن.

 هذه الاستراتيجية أساسها هدف الهيمنة على العالم. وكانت بدايتها في التاريخ المعاصر، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما سعى واضعو السياسة الخارجية إلى خلق نظام عالمي تحت قيادة الولايات المتحدة، يضمن لها التفوق كقوة سياسية، وعسكرية، واقتصادية. وبحيث ينبني هذا النظام على قيم وفكر النظام السياسي داخل أمريكا، وحيث تعنى كلمة القيم، نفس المفاهيم والمبادئ المطبقة في أمريكا، والتي يتم مطالبة دول في مناطق إقليمية بتطبيقها، رغم الاختلافات العميقة بينهما في الظروف الاجتماعية، والثقافية والتاريخية.

هذا الفهم ظل يمثل جوهر استراتيجية الهيمنة، التي تسعى لمضاعفة أبعاد السيطرة على النظام الدولي، ومنع صعود قوى منافسة. اقتناعاً من واضعي هذه المفاهيم بأن السياسات الدولية، هي بالضرورة تنافسية.

 في الوقت ذاته تدرك الولايات المتحدة أن ميزان القوى يمثل عنصراً حاكماً لعلاقاتها الدولية مع الآخرين. وهو يعنى العمل على الاحتفاظ برجحان كفتها في ميزان هذه العلاقة. لكن ذلك لم يمنع طوال العشرين سنة الماضية من صعود قوى دولية، حققت قفزات تنموية اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، أكسبتها مكانة على المستويين الإقليمي والعالمي. وهو ما أدى إلى رجحان كفة هذه الدول في ميزان القوى مع الولايات المتحدة.

 هذا التحول دفع الولايات المتحدة إلى الإسراع بالتعامل معها وفق مبدأ الندية. وهذا هو ما فعلته إدارة بوش الابن – على سبيل المثال – تجاه الهند. ففي عام 2002 أعلنت الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة للسياسة الخارجية، متضمنة بنداً يعلن أنها لن تقبل قيام أية قوة منافسة لها إقليمياً أو دولياً. واتفق محللون أمريكيون على أنها تقصد بذلك – وفي هذا التوقيت – الصين، والهند. لكن قفزة تنموية حدثت في الهند أبطلت قدرة استراتيجية أمريكا على قهر أي قوة منافسة.

 عندئذ سارع الرئيس جورج بوش إلى زيارة الهند، ووقع معها اتفاقيات تعاون، من بينها التعاون في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية.

 مع ذلك بقى فكر الهيمنة مسيطراً على توجهات مؤسسات السياسة الخارجية، وفي مواجهته تزايدت الدعوة من العديد من المختصين والخبراء في مراكز الفكر السياسي لإعادة النظر في هذه المفاهيم الأمريكية الثابتة والراسخة.

 كما أنهم نبهوا إلى أن الإصرار على أن تظل الولايات المتحدة القوة العظمى المسيطرة على العالم، هو تجاوز للواقع الحالي، فهناك صعود لقوى عديدة، استطاعت أن تقترب من قمة النظام العالمي. وليس ببعيد وضع الصين التي حققت طفرات هائلة في كافة مجالات الاستحواذ على مقدرات القوة العالمية. وأيضا الصعود في المكانة الدولية لروسيا، وسعى رئيسها بوتين لبناء قاعدة داخلية اقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً، تنهض عليها روسيا كقوة عظمى.

 كل هذا دفع الخبراء والمحللين في أمريكا للقول بأنه يتوجب على الولايات المتحدة الاعتراف بذلك.. ولعل وزير الدفاع البريطاني بن والاس كان دقيقاً في الإشارة إلى ذلك بقوله «إن الولايات المتحدة لم تعد قوة عظمى، وإنها مجرد قوة كبيرة فحسب». 

 وفيما يخص الموقف المتشدد من الصين، على وجه الخصوص، فإن معظم المنتمين إلى مؤسسة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، يميلون إلى الفكرة القائلة بأن أمريكا لا تملك الكثير من القدرات التي تمكنها من منع بروز الصين، قوة عالمية جديدة، لأنها تقع خارج مجال النفوذ الأمريكي. كما أن موقفها المتشدد من صعود روسيا في عهد بوتين، يمكن أن يؤدى إلى أزمات، ليست لصالح الطرفين.

 والمشكلة التي تواجه إدارة جو بايدن الآن، هي أن سياسة أمريكا الخارجية كانت ملتزمة دائماً بالمبدأ القديم القائم على الاستمرارية، وليس التغيير. بمعنى أن لا شيء يفرض عليها تغيير سياستها الخارجية كقوة عظمى، طالما أن الأمور ثابتة ولا تتغير في علاقاتها مع دول العالم.

 إن إدراك إدارة بايدن لحقيقة أن العالم قد تغير، قد يكون طريقاً لإعادة نظر في كلفة استراتيجية الهيمنة، والتخفيف من حالة الحيرة والارتباك التي سادت الخبراء الاستراتيجيين، في محاولتهم فهم خيارات السياسة الخارجية الأمريكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"