ليته الوباء الأخير

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

تفيد كل المؤشرات الصحية والإجراءت الحكومية في أغلب دول العالم بأن جائحة «كورونا» قد اقتربت من خط النهاية، وأن المتحور «أوميكرون» قد يرسم الخط الفاصل بين المحنة والأمل، ويطوي حقبة الإحباط التي رزح تحتها العالم ما يربو على العامين، وفقد خلالها نحو ستة ملايين ضحية، وخسائر اقتصادية لا تحصى.
 ليست هناك حالة تستمر إلى الأبد، والجائحة الصحية التي روّعت البشرية ستنتهي حتماً، وهناك مجال لإعادة تنشيط الحياة في شتى الميادين، مع الإبقاء على الاستنفار والجاهزية لاحتمال أوبئة أخرى، وهو ما توصي به أغلب المنظمات وكبار الخبراء في المجال. فأهم مكسب من تجربة «كورونا» الاستعداد الجيد للمستقبل بكل ما قد يحمله من مفاجآت غير سارة على الصعيد الصحي. ويتعلق الاستعداد أساساً بالاهتمام بالقطاعات الطبية والعلمية وتطويرها إلى درجة تجعلها ضامنة لحياة كريمة وآمنة للبشر، ومن شروط ذلك تطوير الأدوات والعلاجات اللازمة، للوقاية من الأمراض المستجدة، واستنباط آليات، للإنقاذ المبكر تمكن من اعتراض أي وباء محتمل، وإنقاذ الأرواح، أو على الأقل السيطرة على الخسائر المفترضة.
 في هذه المرحلة من الوضع الطارئ، هناك رهان طموح يجعل من «كورونا» الوباء الأخير، كما يقول الملياردير الأمريكي المؤسس لشركة مايكروسوفت، بيل جيتس، وهذا الطموح سيكون في المتناول إذا أحسن العالم استثمار الخبرة المكتسبة في مواجهة الجائحة، ومن أهم الشروط الضامنة لهذا الهدف أن تكون الصحة العالمية قطاعاً محايداً بعيداً عن التسييس والانتهازية، وتكون نتائج هذا القطاع لفائدة جميع البشر مهما كانت مستوياتهم وألوانهم وأممهم ومواقعهم على درجات التقدم والتخلف. 
 وقدأ أظهرت جائحة «كورونا» أن الوباء لم يفرق بين دول غنية وفقيرة؛ بل إن دولاً كان يعتقد أنها عظمى وتعيش على قمة التقدم والحداثة قد تكبدت خسائر لم تعرفها في أوبئة ماضية أو حروب كبرى. وفي ذلك عبرة يمكن الأخذ بها في المستقبل، طالما أن الأمراض لا تفرق بين الناس ولا تجامل شعباً على حساب شعب آخر.
اللقاحات، المتعددة الأسماء والجنسيات، أكبر سلاح استطاع به العالم مقاومة «كورونا» ودحره، وأسهمت جميعها في الحد من الجائحة، وأثمرت حصانة نسبية ضد انتشار الوباء. ومن المفارقات أن إنتاج هذه اللقاحات لم يكن حكراً على دولة بعينها؛ بل إن مجموعة من الدول متنافرة، في أغلبها، سياسياً واقتصادياً توصلت إلى هذه التطعيمات، ولم تفلح الحملات الدعائية في تبخيس أي منها؛ بل كلها مفيدة. وهذا وجه آخر من وجوه التغيير الذي أصاب العالم، فمثلما تضرر الجميع من الوباء، فإنهم أيضاً توحدوا جميعاً في البحث عن الأدوية واللقاحات. وإذا استمر هذا التعاون، فبالإمكان التفاؤل بأن يكون «كورونا» آخر الأوبئة المضنية، وليته يكون كذلك.
لن يعدم مستقبل البشرية تحديات جسيمة ومواقف قاسية، فجوهر الحياة صراع بأبعاد مختلفة، وإذا ما تمكن المجتمع الإنساني من قهر الأمراض، فهناك قضايا أخرى أخطر من الأوبئة، ومنها تداعيات التغير المناخي، التي خلّفت في عامين خسائر بشرية أكبر من حصيلة ضحايا «كورونا»، وهذا التحدي سيتعاظم في المستقبل، ولا بد من خريطة طريق علمية للتعامل معه؛ لتجنب مخاطر الجائحة التالية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"