«انتقاليات» إفريقيا

00:48 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

تواجه عدد من السلطات الانتقالية في إفريقيا أوضاعاً متعثرة في مسيرتها للاستقرار السياسي والاجتماعي. 

وتختلف المشكلات والصعوبات وطبيعة التحديات التي تعرقل اكتمال النظم الانتقالية في إفريقيا من بلد إلى آخر، وهي تباينات تتعلق  في جوانب منها  بفجوة الثقة وغياب الرؤية بين الأطراف المشاركة في العملية، وفي جوانب أخرى بمشكلات نقص التمويل لإكمال الهياكل البيروقراطية والأمنية المرتبطة بتحقيق النقلة من الأوضاع الطارئة، التي فرضتها ظروف بعينها، إلى أوضاع استقرار.

وعلى سبيل المثال، فإن الوضع الانتقالي في السودان وجمهورية جنوب السودان، يشهد جموداً منذ فترة ليست بالقصيرة. وتسبب نقص التمويل الدولي الضروري لإكمال بند الترتيبات الأمنية، وإدماج قوات الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق جوبا للسلام في الجيش الحكومي، في تعقيدات كبيرة. وما تزال هذه القضية تشكل معضلة كبيرة في إطار جهود توحيد المؤسسة العسكرية.

الأمر نفسه يواجه الحكومة الانتقالية في جنوب السودان. فقد قطع زعماء هذا البلد شوطاً بعيداً في تسوية المشكلات العالقة بين حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت والتيارات المعارضة: السياسية والمسلحة، لكن عملية إدماج مقاتلي المجموعات المعارضة في المؤسسات العسكرية والأمنية، توقف في منتصف الطريق بسبب نقص التمويل اللازم.

وبالطبع فقد كان لظهور الجائحة وتداعياتها على اقتصادات الدول، تأثيرات كبيرة على التدفقات المالية للدول المانحة. ومع تنامي المخاوف في عواصم المال الكبرى في مواجهة انتشار الوباء، أصبحت الدول أكثر حذراً في الإنفاق على عمليات تجري خارج حدودها. وأصبحت عمليات إعادة الاستقرار والتحول الديمقراطي في بعض الدول الإفريقية ضحايا جانبية للجائحة.

ومع تفجر الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا، يرجح الخبراء أن يصبح الحصول على الأموال الضرورية لعبور المراحل الانتقالية في إفريقيا أكثر صعوبة. وفي هذه الحال يتعين على قادة الدول التي تعاني نقص التمويل، البحث عن حلول أخرى ممكنة، والتحلي بالإرادة اللازمة لتنفيذها، مع الاتفاق على العمل لتفادي إمكانية عودة الصراع بسبب التباطؤ في عمليات الدمج والتسريح.

في دول إفريقية أخرى تواجه السلطات الانتقالية مشكلات مختلفة، مثل مالي وغينيا، وبوركينا فاسو. ويقول خبراء إن أسباب عدم الاستقرار في هذه الدول تتلخص في ضعف الاقتصاد، والبيئة الأمنية المضطربة، إضافة إلى حدة الصراعات العرقية والقبَلية، وفقدان الحكام المدنيين الشعبية، وفشلهم في إدارة التنوع أو تحقيق نجاحات في برامج التنمية والاستقرار الاقتصادي.

وحس القيادة، وإرادة التغيير، والرؤى الناضجة البعيدة عن ميراث الصراعات التقليدية، تكون مطلوبة بشدة، بين النخب الحاكمة والمعارضة، وتشكل نقطة محورية حاسمة في إقفال الطريق أمام الانتكاسات الوطنية، وإنجاح حوارات القوى السياسية، وذلك عبر الانفتاح الواعي وابتكار أنساق ونماذج وموديلات لشكل السلطة والحكم المستقبلي المأمول.

ويحتاج عبور الأوضاع المأزومة في دول الانتقالات الإفريقية قبل كل ذلك، إلى توفر وتعزيز الثقة بين الفرقاء المنخرطين في العملية السياسية، وتشكيل المستقبل السياسي الأفضل، والعبور من حال الاضطرابات الأمنية المتكررة إلى موقع جديد يحقق استدامة السلام والأمن والازدهار الاقتصادي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"