عادي

المنطق وحده لا يكفي في أمور الدين

21:58 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

لا يتوقف الجدال والخلاف بين بعض المثقفين والمعنيين بالفكر والثقافة الدينية حول أمور غيبية عديدة ورد النص عليها في القرآن الكريم مثل الجنة والنار، ونعيم القبر وعذابه، ويوم القيامة، والإسراء والمعراج، ومكان وجود الخالق سبحانه، ومكان وجود الملائكة؛ إذ يلجأ البعض لإخضاع مثل هذه الأمور للعقل والحكم عليها من خلال منطقهم وقدراتهم العقلية. هل يمكن التعامل مع هذه الأمور الغيبية بالقدرات العقلية وقبول ما يتوافق مع العقل وإنكار مالا يقبله العقل والمنطق؟ توجهنا لعدد من كبار العلماء بهذا السؤال، وهنا خلاصة ما قالوه ونصحوا به ووجهوا إليه.

يؤكد د. شوقي علام مفتي مصر، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الإسلام دين علمي يشتمل على قواعد الفهم، وأسس الاستنباط ومناهج التطبيق، كما أنه يتسق مع المفاهيم العقلية؛ لأن العقل من خلق الله تعالى، فهو يؤمن بكل وسائل العلم المختلفة، مادامت توصل إلى اليقين، فإذا حصل اليقين فهو مقدَّم على النتائج الظنية. ويقول: الإسلام في الوقت نفسه لا يقصر العلم على التجريبيات فقط، بل يتعداها إلى كل ما يؤدي إلى نتيجة صحيحة حتى لو لم تكن حسية، ولذلك فإن الإيمان بالغيب لا يخالف العقل؛ لأنه جاء بما يفوقه، وليس بما يستحيل فيه.

ويضيف: واجب المسلم الإيمان الكامل بكل ما جاء به القرآن وصحيح السنة، ومنه قصص وأحداث للأنبياء، فضلاً عن الإيمان بالغيب، وهذا من صفات المتقين التي جاءت في القرآن الكريم؛ وذلك في قوله تعالى: «هُدًى لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ».

1

ويؤكد مفتي مصر أن هناك أموراً غيبية أخبرنا بها القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة لا يجوز لأحد التشكيك فيها أو كثرة السؤال حولها. ويقول: بعض الناس يشككون في وجود الخالق سبحانه ويسألون العلماء: أين الله؟، وهؤلاء لا ينبغي أن نبادرهم بأحكام قاسية ونتهمهم بالكفر، بل واجبنا أن نأخذ بأياديهم إلى طريق الهداية والرشاد، وأن نؤكد لهم أن من ثوابت عقيدتنا، نحن المسلمين، أن الله تعالى لا يحويه مكان، ولا يحده زمان؛ لأن المكان والزمان مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شيء من خلقه؛ بل هو خالق كل شيء، وهو المحيط بكل شيء، وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين لا ينكره منهم منكر، وعبر عن ذلك أهل العلم بقولهم:«كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان».

ونخبر هؤلاء بأنه لا ينبغي له أن يتطرق ذهنهم إلى التفكير في ذات الله سبحانه وتعالى بما يقتضي الهيئة والصورة؛ فهذا خطر كبير يفضي إلى تشبيهه بخلقه، ونخبره بأنه يجب علينا أن نتفكر في دلائل قدرته سبحانه وتعالى وآيات عظمته فيزداد إيماننا به سبحانه.

حقائق

حول تشكيك البعض في وجود الجنة والنار يقول د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: هما من الحقائق الدينية الثابتة التي ورد النص عليها صراحة في القرآن الكريم الله، والسنة النبوية الصحيحة، ولذلك لا يجوز لمسلم أن يشكك فيهما، بل الإيمان بوجودهما جزء من عقيدة المسلم.

ويوضح أن وجود الجنة والنار من الأمور التي يدعمها العقل السليم، إذ تمثل حافزاً مهماً للعمل الصالح إرضاء للخالق ولمصلحة المجتمع، وكل ما فيه من مخلوقات الله، كما تمثل النار رادعاً ومانعاً من الانحراف عن الطريق السليم، وعندما يفتقد الإنسان الحافز والعقاب تتحول حياته وحياة المجتمع كله إلى فوضى.

وحقيقة الجنة وأوصافها، كما يقول عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، حدثنا عنها القرآن، ووصفها لنا رسولنا الكريم في بعض الأحاديث الصحيحة، وعلى المسلم أن يؤمن بأن الجنة درجات، وأن هذه الدرجات أعدها الله عز وجل للمؤمنين على قدر أعمالهم الصالحة. قال تعالى:«وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار». وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح:«في الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة، ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس».

وأخبرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الأحاديث الصحيحة والروايات الموثقة عن الجنة وأبوابها ومن يدخلها، فذكر أن للجنة ثمانية أبواب تسمى بأسماء الأعمال الصالحة، فهناك باب للصائمين يسمى (الريان) وهناك أبواب (الصلاة) و(الإحسان) و(الصدقة) و(الجهاد).

خرافات

د. بكر ذكي عوض، أستاذ العقيدة والعميد الأسبق لكلية أصول الدين بالأزهر، يؤكد أن الأمور الغيبية غير المحسوسة لنا لا ينبغي أن نحكم فيها عقولنا، ولكن علينا أن نعتمد فيها على ما ورد في كتاب الله والسنة النبوية الصحيحة، ولا نستمع إلى الخرافات التي يرددها البعض، كما لا ينبغي أن نلتفت إلى ما يردده هؤلاء الذين ينكرون ما لا تدركه حواسهم، لأن حقائق الإيمان غابت عنهم.

ويضيف: ما ورد النص عليه في القرآن الكريم والسنة الصحيحة لا نملك إلا أن نقول «سمعاً وطاعة» وإلا خرجنا عن دائرة الإيمان. وعندما يقول الحق سبحانه:«وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار»، ويقول سبحانه أيضاً:«مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم» وعندما تتلى علينا هذه النصوص لا ينبغي لمسلم مهما كانت قدراته العقلية أن يشكك في وجود الجنة وأنهارها.

وإلى جانب هذه الأنهار والثمار التي وفرها الخالق لعباده المخلصين الطائعين في الجنة، هناك مظاهر أخرى للنعيم الوافر، والثواب العظيم وفرها الخالق، عز وجل وتحدث عنها القرآن الكريم وأخبرنا بها الرسول، صلى الله عليه وسلم، في أحاديثه الصحيحة، ففي الجنة سرر وآنية وفرش من الحرير. يقول سبحانه في سورة الغاشية «فيها سرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة»، ويقول الله عز وجل في سورة الإنسان:«ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير. قوارير من فضة قدروها تقديراً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"