عادي

تجارب أسرية خاصة

00:20 صباحا
قراءة 5 دقائق
عائلة ستيفن كينج

الشارقة: علاء الدين محمود

على الرغم من أن العملية الإبداعية لا تُورث، فإن هنالك الكثير من الأسر والعائلات التي عُرفت بالمواهب الأدبية والفنية وسط أفرادها، إخوة وأخوات وآباء وأمهات اشتركوا جميعاً في حب الإبداع والكتابة، فكان أن برز منهم الكثير، لكل واحد منهم لونه وأسلوبه الخاص.

لا يمكن الحديث عن تلك الظاهرة من دون ذكر أكبر أركانها وهم الأخوات برونتي «شاروت وإميلي وآن» اللواتي ذاع صيتهن بالفعل كعائلة أكثر من شهرتهن الفردية؛ وذلك لأن ظهورهن في نهايات العصر الفيكتوري كان حدثاً قائماً بذاته؛ حيث تعد تلك الأسرة من أشهر العائلات التي مارست الأدب في القرن التاسع عشر، ثلاث فتيات يمارسن الكتابة وطرح الأفكار والقضايا المتحررة في وقت كان المجتمع فيه محافظاً؛ بل كان متحجراً؛ لذلك كان ذلك الحضور الأنثوي الجماعي للشقيقات الثلاثة طاغياً، فوجدن فيما بعد، احتفاء طاغياً بتجربتهن الإبداعية من قبل النقاد والمشتغلين بالأدب.

ثورة

أشعلت تلك العائلة ثورة خاصة وموازية لتلك الصناعية التي بدأت تعلن الانتقال لمرحلة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية جديدة في بريطانيا؛ الأمر الذي جعل لهن مكانة خاصة ومميزة في تاريخ الأدب الغربي ككل، واستطعن أن يصنعن حالة إبداعية متفردة شكّلت وجدان الكثيرين حول العالم، وأنتجت الكثير من القصص والأعمال الرصينة في مجال الرواية الكلاسيكية؛ مثل: «جين آير»، و«شيرلي»، و«فيليت»، و«الأستاذ»، و«مرتفعات وذرينج»، وغير ذلك، ولا يزال ذلك الأدب الرفيع الذي أنتجته عائلة برونتي يجد صدى وقبولاً لدى القرّاء في كل مكان، ما يشير إلى أن ذلك الإبداع قد أسهم بصورة كبيرة في خلود أفراد تلك الأسرة العريقة.

مصدر إلهام

وما كان من الممكن أن يتحقق ذلك النجاح الكبير للأخوات برونتي لولا الدعم الذي وجدنه من قبل بقية الأسرة، وبصفة خاصة والدهن الأب باتريك برونتي الذي كان هو الآخر كاتباً وصاحب اهتمامات أدبية، وقد لعب دوراً مهماً في تنشئتهن، فقد كان مصدر الإلهام الأساسي لهذه الكتابات المبكرة لهن، وكان واحداً من أكثر العوامل التي جعلت الأخوات برونتي يتمسكن بطريق الأدب.

بذل الأب مجهوداً وافراً في إعداد بناته وصقل مواهبهن وتطويرها، فكان يمدهن بالمجلات والصحف اليومية والشهرية من أجل أن يطلعن عليها بصورة مستمرة؛ وذلك الأمر أسهم في نضج خيالهن، وتجدد أسلوبهن القصصي، ما انعكس إيجاباً في مسيرة الكاتبات الثلاث.

الفيلسوف

ولئن كانت عائلة الأب باتريك برونتي، قد شكلت حالة إبداعية خاصة، فهنالك أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي عائلة الكاتب الروسي الشهير ليو تولستوي «1828-1910»، والذي يعد من أعمدة الأدب الروسي والعالمي في القرن التاسع عشر؛ بل إن البعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق، ومن أشهر أعماله روايتا «الحرب والسلام» و«انا كارنينا». هاتان الروايتان تتربعان على قمة الأدب الواقعي، وما زالتا ضمن أفضل الروايات العالمية التي تجد إقبالاً حتى في عصرنا الراهن، إضافة إلى ذلك، فقد كان تولستوي فيلسوفاً صاحب مدرسة خاصة ومتفردة تدعو للسلم ونبذ العنف، وشكل إلهاماً لقادة ومفكرين كباراً أمثال المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج.

مذكرات

لكن تولستوي لم يكتفِ بما قدمه بنفسه في حقلي الأدب والفلسفة؛ بل وكذلك أهدى العالم إبداعات عائلته التي برزت في مضمار الكتابة، فقد كانت زوجته صوفي بيرز خير عون له في كتاباته، فقد نسخت مخطوط روايته الحرب والسلام 7 مرات باليد، وهي إضافة إلى ذلك كاتبة مذكرات لها العديد من المؤلفات منها «يوميات الكونتيسة صوفيا تولستايا»، وقد تزوجت من الأديب الكبير في عام 1862، وكانت فتاة مفعّمة بالثقافة والحيوية وتتمتع بشخصية مبهرة، أمّنتها لها التربية الجيدة التي تلقتها في كنف والدها أندريه بيرس طبيب الأسرة القيصرية، فأجادت ثلاث لغات أجنبية وهي: الفرنسية والإنجليزية والألمانية، كما اطلعت على الآداب العامة، وبرعت في النقد.

ورثة تولستوي

وفي الواقع، فإن لدى تولستوي عدد من الأبناء والبنات الذين برزوا في عالم الأدب والكتابة الإبداعية؛ وذلك بفضل الرعاية التي وجدوها والتعليم المبكر في المنزل؛ حيث تعلموا القراءة والكتابة بلغات متعددة مثل الروسية أولاً، ثم الفرنسية والإنجليزية لاحقاً، وكذلك اليونانية واللاتينية عبر مدرسين خصوصيين، ومن أبرز هؤلاء الأبناء إيليا تولستوي «1866 1933»، الذي كان روائياً وصحفياً أسس في عام 1915 صحيفة روسيا الجديدة، واشتهر بكتابة مذكرات عن والده «ذكريات تولستوي»، وله رواية بعنوان «الجثة» كتبها في عام 1890، ونُشرت بعد وفاته، وله أيضاً عدة أعمال قصصية أشهرها «لقيط أقل» التي نُشرت في مجلة الفكر الروسي عام 1905، وكان إيليا قد غادر روسيا إلى الولايات المتحدة عام 1916، من أجل أن يلقي محاضرات عبر البلاد عن حياة والده وأعماله، وفي عام 1926، انتقل إلى كاليفورنيا؛ حيث عمل على إصدار فيلم عن رواية والده «القيامة».

إضافة إلى إيليا، كان لتولستوي عدد من الأبناء الآخرين مثل ليف تولستوي الذي كان هو الآخر مؤلف روائي، وتاتيانا التي اشتهرت بكونها رسامة وكاتبة مذكرات، والكساندرا وهي كاتبة تلفزيونية، إضافة إلى ابنة عم تولستوي إيكاترينا، والتي كانت تعمل مؤلفة ورسامة.

ملك الرعب

الكاتب الأمريكي ستيفن كينج المولود عام 1947، يعد واحداً من أبرز المؤلفين الأمريكيين، وهو من مؤسسي أدب الهلع والخوف حتى لقب بملك الرعب، وقد حائز ميدالية مؤسسة الكتاب القومية لإسهاماته البارزة في الأدب الأمريكي، وعمل أيضاً في مجال الصحافة، وكان من أبرز المنتقدين للحرب ضد فيتنام، وبرز كذلك في مجال القصة القصيرة التي كان يكتبها للمجلات، ولأنه كان غزير الإنتاج في مجال التأليف فقد كان يكتب كذلك تحت اسم مستعار وهو ريتشارد باكمان؛ حيث وصل عدد ما كتبه من روايات وقصص قصيرة وكتابة حلقات مسلسة إلى 108، وتم بيع أكثر من 350 مليون نسخة من كتبه حول العالم؛ حيث تعد أعماله من ضمن الأكثر مبيعاً، ومن أشهر مؤلفاته: «البريق»، و«كوجو»، و«أطفال الذرة»، و«بؤس»، ومقبرة الحيوانات.

فيض إبداعي

وإلى جانب تلك الموهبة الفذة، والإنتاج الغزير، فإن عائلة ستيفن كينج ضمت عدداً من الأدباء الذين أنتجوا فيضاً من الإبداعات فزوجته تابيثا، كانت هي الأخرى كاتبة ومؤلفة وهي صاحبة رواية «عالم صغير»، وكذلك ابنه الأكبر جوزيف هيلستروم كينغ المولود في عام 1972، والمفارقة أن هذا الابن حمل هو الآخر اسماً مستعاراً وهو «جو هيل»؛ وذلك حتى لا يرتبط اسمه باسم والده الذي يعد أسطورة من أساطير رواية الرعب، فخاف الابن من أن يغيب اسمه نسبة لحضور الاسم الطاغي للأب، غير أن جو هيل شق طريقه بنجاح كبير بعد الصدى المميز الذي وجدته أعماله؛ حيث نال العديد من الجوائز، الأمر الذي دفعه إلى الكشف عن هويته، ليكتب بعد ذلك عملاً مشتركاً مع والده.

ويبدو أن قصة العائلة مع الإبداع تأبى أن تنتهي فالابن الأصغر أوين كينج، المولود عام 1977، يطرق هو الآخر مجال الكتابة الأدبية فيبرع هو الآخر في تقديم عدد من الروايات والقصص القصيرة، ونشر أوين كتابه الأول، «نحن جميعاً في هذا معاً»، والذي يضم مجموعة قصصية عام 2005، أما روايته الأولى «ميزة مزدوجة» فقد نشرت عام 2013.

ومثلما كان الأديب البريطاني الأشهر تشارلز ديكنز، «1812 –1870»، صاحب روايتي «قصة مدينتين»، و«أوليفر توسيت»، كاتباً عظيماً فإن أولاده تشارلز الابن وماري الشهيرة بمامي، قد سارا في طريق التأليف والكتابة، وكذلك الأمر بالنسبة للفرنسي الشهير ألكسندر دوماس «1802 –1870»، صاحب الدرر الأدبية مثل: «الكونت دي كريستو»، و«الفرسان الثلاثة»، والذي تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات، ويُعد أحد أكثر المؤلفين الفرنسيين شهرة على الإطلاق، والذي سار ابنه ألكسندر دوماس «الابن»، على خطاه، فقد كان هو الآخر روائياً وشاعراً ومسرحياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"