منشد الشارقة يشيع الحب

23:35 مساء
قراءة دقيقتين

محمد عبدالله البريكي

الصوت المتفرد يصنع ساحة من الجمال المتقن، ومن خلاله تمر نسمات الكلام على مسامع الناس في كل زمان ومكان، وعلى الأرجح يسكن الصوت الجميل في قلوب السامعين، فالكلمات التي تقال بصوت رخيم تعبّر عن صفات من كتب، وعذوبة من أنشد، وإنشاد الشعر فن قديم في تاريخ الإبداع العربي، وقد زان برنامج منشد الشارقة المشهد كله طوال سنوات، فهو يعبّر عن رؤية صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لهذا الفن الذي يتلألأ تحت أضواء الشعر، ويعبّر في الوقت نفسه عن ربيع الشارقة الشعري الدائم، وكل ما تفعله من أجل إحياء مناطق مهمة في تراثنا العربي الأصيل، فقد كان لكل شاعر في تاريخ العربية طريقة ينشد بها، وعلى الرغم من تطور إنشاد الشعر عبر العصور، فإنه من الصعب الوصول إلى كنه الطرق التي كان ينشد بها الشعراء القدامى، فالإنشاد الجيد يدغدغ قلوب المستمعين، وهو علامة على جودة الشعر ومن ثم القدرة على تطويع الصور والمفردات بشكل دافق ملهم، ويكفي أن تكون زاوية المنشد صافية فيطل من سماء جياشة بالعذوبة.

لقد أكدت الشارقة، أن مشروعها الثقافي يستحضر جماليات التراث العربي الأصيل، ولا يستثني مناطق شديدة التلاصق بحياة الناس في الماضي والحاضر، فصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، يشيد ببرنامج منشد الشارقة، وهذا نابع من اهتمام سموّه بالوهج الشعري وإحياء سنة الإنشاد الشعري، خصوصاً أن الشعر العربي بكل جمالياته تعلو قيمته بإيجاد طرق مختلفة لإنشاده، فالإنشاد كونه عملية جمالية تطوّرت عن السابق، وقد أحسنت الشارقة صنعاً عندما اهتمت بالشعر من جميع جوانبه، فعندما نسمع إنشاد الشعر الديني مثلاً نجد أن التواشيح المختارة لكبار المنشدين في كل الأقطار العربية تلهب أسماع الناس وتجعلهم في حالة من النشوة، حتى إن جميع الثقافات تتذوق مثل هذا الإنشاد وتترنم به على الفور عند سماعه.

والإنشاد الشعري عند العرب أخذ صوراً كثيرة فالشاعر حسان بن ثابت يقول:

تَغَنَّ بِالشِّعْرِ إِمَّا أَنْتَ قَائِلُهُ

إِنَّ الغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَار

حيث ظل الشعراء في كل أسواقهم الشعرية ومجالسهم ينشدون الشعر ويسمرون به، فتتداخل الأصوات ويتخيّر الشعر نفسه أعذب الأصوات لهذه المرحلة، فقد عرف أن هناك شعراء امتلكوا القدرة على الإنشاد مع قوة الشعر، وهناك من لم تكن لديه ملكة الإنشاد على قوة شعره، والمتنبي يقول:

وَمَا الدّهْرُ إلاّ مِنْ رُواةِ قَصائِدي

إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِدَا

ثم يعود ويقول في بيت آخر من القصيدة نفسها وهو معتز بهذه الطاقة الكامنة بداخله والتي تجعله متفرداً على الشعراء:

وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني

أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى

هكذا هو الإنشاد الذي أشاد به صاحب السموّ حاكم الشارقة، وهو أيضاً الفن الذي يطربنا بكل طرائقه حباً وإخلاصاً لدوره في إشاعة الحب والسلام والطمأنينة في النفوس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"